• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : المؤلفات .
              • القسم الفرعي : المقالات والأبحاث .
                    • الموضوع : الإحتكار والتسعير .

الإحتكار والتسعير

السيد جعفر مرتضى العاملي

هذا البحث ألقي في جامعة الإمام الصادق(ع) كلية الاقتصاد بتاريخ: 29/3/1369 هـ. ش

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

المقدمة:

في حديثنا حول الاحتكار والتسعير لابد أوّلاً من تقديم بعض المقدمات التي ترتبط بهذين الأمرين.

المقدمة الأولى:

أن الإسلام لا يحارب حصول الإنسان على المال ولا يرفض ذلك، بل يشجع عليه ويجعل الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله، وقد قرأتم أنتم أيضاً بعض الأحاديث التي تدل على أن الأئمة (عليهم السلام) ما كانوا يرضون من أصحابهم إلاّ بالعمل وتحصيل المال، وهذا ليس فقط ليستغنوا بذلك عن الغير، بل نجد في بعض الأحاديث أن أحد الأئمة يقول لأحد أصحابه: أضعفت عن التجارة أو زهدت فيها فكان مما أجابه به أن قال: عندي مال كثير وهو في يدي، وليس لأحد عليَّ شيء، ولا أراني آكله حتى أموت، فقال (عليه السلام): "لا تتركها فإن تركها مذهبة للعقل"[1]، الخ...

ونجد بعض الروايات تقول: "أن التجارة تزيد في العقل"[2]، وواضح أن الإنسان الذي لا يتاجر ولا يشتغل يصبح خاملاً واتكالياً ولذلك آثار كثيرة على شخصيته وعلى روحياته وغير ذلك.

المهم أننا نقول أن الإسلام ليس ضد المال بل المال مطلوب للإسلام إذا كان يعبد به الله سبحانه وتعالى وإذا كان سبباً في سعادة الإنسان المؤمن وفي راحته وفي فراغ نفسه عن الانشغال بغير الله سبحانه وتعالى:

وقد روي عن جعفر بن محمد عليه السلام في حديث طويل قال: ثم من قد علمتم من فضله وزهده سلمان وأبوذر رحمهما الله ، فإما سلمان فكان إذا أخذعطاءه رفع منه قوته لسنة حتى يحضر عطاءه من قابل، فكان جوابه أن قال: "ما لكم ترجون لي البقاء كما خفيتم علي الفناء؟ أما علمتم أن النفس قد تلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت"[3].

ومعنى ذلك هو: أنه سوف يحصل لها الإقبال على الله سبحانه وتعالى أكثر مما لو كانت فاقدة لرزقها ولابد أن تفكر فيه ليلاً ونهاراً وتخطط للحصول على ذلك الرزق.

والحاصل: أن الإسلام لا يحارب المال ولنا شواهد كثيرة على ذلك مثلاً كانت صدقة علي(ع) (زكاة ماله) أربعين ألف دينار في السنة والدينار الواحد عشرة دراهم وفي تلك الأيام كانت سبعمائة درهم تكفي لشراء إنسان للخدمة، كما ذكر الإمام الحسن (عليه السلام) حين وفاة أبيه، من أنه لم يترك سوى سبع مئة درهم أراد أن يشتري بها خادماً لأهله.

وفي بعض الأحيان أقل من ذلك يكفي لشراء إنسان للخدمة، فقد كانت بعض الجواري تباع بثلاثين درهم في ذلك الزمان، وإذا كانت صدقة علي (زكاة ماله) قد بلغت أربعين ألف دينار في السنة فمعنى ذلك أن علياً يملك ميزانية تكفي لدولة بكاملها ولكن هذا المال لم يؤثر في شخصية أمير المؤمنين ولم يجعله يعيش حالة البطر أو حالة البغي أو حالة الغرور والتعالى على الناس بواسطة المال بل بقي على ما هو عليه. بقي علي (عليه السلام) هو الذي يقول: يا دنيا غرّي غيري إليك عني ولم يؤثر ذلك على قربه من الله وعلى إخلاصه لله سبحانه وتعالى.

النقطة الثانية:

السعي من أجل الحصول على الرزق

وهذه ظاهرة لا تختص بفريق من البشر دون غيره بل هي ضرورة حياتية إذ لابد لكل إنسان يعيش على الأرض أن يحصل على رزقه، فمنهم من يحصل على هذا الرزق بطريق الحلال ومنهم من يحصل على هذا الرزق بطريق الحرام ومنهم من يحصل على هذا الرزق بكدّ يمينه وبعرق جبينه ومنهم من يحصل على هذا الرزق بدون تعب إلى آخر ما هنالك ولكن الكل بحاجة إلى الرزق.

النقطة الثالثة:

كما لابد من الالتفات إلى أنه إذا كان السعي للحصول على الرزق عاماً في البشر جميعاً فهذا قد ينشأ عنه تصادم في بعض المواقع وينشأ عنه التعارض في بعض الأساليب إلى غير ذلك من مشكلات كثيرة فلابد من وضع ضوابط وقوانين له تمنع من ذلك. ولنفرض وضعنا الضوابط والقوانين ولكن الضابطة والقانون وحده لا يكفي لتحقيق الهدف بل لابد من الإجراء عملياً ونحن في مقام الإجراء نحتاج إلى ضمانات.

وهذه الضمانات تنقسم إلى قسمين:

قسم نسميه بالضمانة السلطوية، وقسم نسميه بالضمانة الذاتية ( هذا اصطلاح منّا ).

أما في مجال الضمانة الذاتية فلا نريد أن نبحث كثيراً فبحثها واسع ويحتاج إلى وقت كثير في الحقيقة لأنها متركزة على قواعد مختلفة ومترابطة في نفس الوقت لكن بالاختصار نقول: أن الضمانة الذاتية ترتكز على أمرين أحدهما: عقائدي والآخر تشريعي.

(نحن نتكلم بحسب نظر الإسلام فيما نفهمه)

بالنسبة إلى الأمر العقائدي التي ترتكز عليه الضمانات الذاتية فقد بينته الآيات والروايات الكثيرة.

فإن نفس أن يعتقد الإنسان بأن الله هو الرزّاق ذو القوة ونفس أن يعتقد الإنسان بأنه لا يملك شيئاً وأن الله سبحانه وتعالى هو المالك الحقيقي وأنه إنما يتصرف في ملك الله وبأمره وليس له حق أن يتعدى حدود ما يحدده المالك الحقيقي له ونفس أن يعتقد الإنسان بأن الله سبحانه وتعالى قادر على حرمانه وقادر على إعطائه سواء عمل أو لم يعمل إلى آخره نعم... إن هذه الاعتقادات كلها تؤثر في ضبط حركة الإنسان ولها دورها في أن لا يحاول الإنسان التمرد على إرادة الله بعد أن اعتقد أن إرادة الله هي الغالبة وهي الأقوى وأن الله هو الرزاق والملك له.

هذا جانب عقائدي له أثره في لجم طموحات الإنسان ومنعها من التحرك بالاتجاهات السلبية التي تناقض أو التي لا تنسجم مع ما يريده الله سبحانه وتعالى للإنسان.

الجانب التشريعي:

فإن الاعتقاد بأن الذي يتخطى هذه الأحكام الشرعية يعتبر متجرئاً على الله وأنه مستحق للعقاب وللعذاب الأليم وقد قدر الله سبحانه عقوبات معينة لمن يتعدى هذه الحدود والضوابط.

والإنسان بحسب طبعه يحب نفسه ويحاول ويريد أن يجنبها مزالق الخطر وأن يبعدها عن كل ما فيه تعب وعناء وحينما يشعر أنه في معرض غضب الله وسوف تنقطع عنه الألطاف الإلهية ويتعرض للتنكيل الإلهي فإنه سوف لن يتسرع في الإقدام على المخالفة، وطبيعي أن تتكون لديه إرادة وجدانية وضميرية تنبع من داخل ذاته بالإضافة إلى التفصيلات والتوضيحات التي وردت فيما يرتبط بحق الغير وبحق الإنسان المسلم على المسلم وبعدم جواز الاعتداء على الغير وإلى آخر ما هنالك فهذا ما نسميه بالضمانة الذاتية النابعة من داخل الإنسان، ومن قناعات الإنسان العقائدية، من ضمير الإنسان، من إحساسه بأن هذا يوجب غضب الله سبحانه وهو متمرد بذلك على الله وله عواقب وخيمة.

الضمانات السلطوية:

والذي نريد أن نبحثه هنا هو الضمانات السلطوية الناشئة من السلطة، فإن من الطبيعي أن الضمانة الذاتية لا تكفي، لأنه ليس الجميع له هذا الاعتقاد الراسخ بالله سبحانه وتعالى وبصفاته وتشريعاته وحتى لو كان الكل معتقداً فليس كل أحد يؤثر اعتقاده في موقفه، بل كثيرون لهم شخصيتان: شخصية عقائدية: فيقول: أنا مسلم، أنا شيعي، وشخصية في مجال الحركة في الحياة لا تنطلق من شخصيته العقائدية.

كثيرون عندهم ازدواجية في الشخصية، وكثير من الطواغيت يقولون: نحن مسلمون ولكنهم يذبحون المسلمين، يقتلون المسلمين، يسرقون أموالهم، يعتدون على أعراضهم وعلى كراماتهم فهم يقولون نحن مسلمون ولا تستطيع أن تكذبهم إذ أنهم يعتقدون أن الله موجود وأن محمداً رسول الله ولكنهم يخونون ويقدمون مصالحهم الشخصية على كل شيء ولا يؤثر اعتقادهم في موقفهم شيئاً.

إذن الضمانة الذاتية وحدها لا تكفي، نعم هي عامل مساعد له تأثيره ولكن ليس له كل التأثير ونحن بحاجة إلى ضمانات سلطوية تنبع من الخارج وتأتي من الخارج وتفرض على الإنسان.

قبل أن أنتقل إلى الضمانات السلطوية وأتحدث عنها أشير إلى نقطة: وهي أن الضمانة الذاتية لا يمكن الاستغناء عنها حتى ولو ضعف تأثيرها وهناك مواقع لا يمكن للسلطة الخارجة عن ذات الإنسان أن تنالها ولا أن تطلّع عليها ولا أن تفرض لها قانوناً أو أن تمنع منها، فلا يمكن ضبط سلوك الإنسان تجاهها إلاّ بالضمانة الذاتية التي لابد منها. مثلاً في مجال الغش في السلعة، فإن ذلك يمكن بأشكال مختلفة إذا لم يكن للإنسان ضمير حي. فالسلطة تستطيع أن تمنع من درجة من الغش ولكن لا تستطيع أن تمنع من جميع درجات الغش ومستوياته وهذا أمر واضح، إذن الضمانة الذاتية لابد منها ويبقى لها دورها الأصيل فلابد من تربية عقائدية وضميرية صحيحة ليكون لها دور كبير في مواقع كثيرة من الموارد التي لا تنالها السلطة الخارجية.

حقيقة الضمانات السلطوية:

هي أن تأتي قوة من الخارج، (خارج الإنسان) وتفرض عليه قانوناً وتعاقبه على المخالفة وتمنعه من ذلك، حينما نراجع التاريخ الإسلامي نجد أن النبي (ص) والأئمة (ع) قد مارسوا هذا النوع من السلطة في مجال إجراء القانون وضمان تنفيذه بالإضافة إلى ممارستهم للتربية والتزكية وتعليم الناس وتعميق الإحساس الضميري وتعميق الشؤون العقائدية في داخل نفوسهم من أجل أن يلتزموا وأن تتقّوى الضمانة الذاتية لتكون إلى جانب الضمانة السلطوية.

وقد ألمح القرآن الكريم إلى الضمانات الذاتية والسلطوية الخارجية، فهو يقول:

﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾[4].

وفي مورد آخر يقول تعالى:

﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾[5].

ومعنى ذلك هو أنه لابد من القوة والحديد من أجل حماية القسط والعدل الذي يجب على الناس أن يقوموا به وهذا ما نسميه بالضمانة السلطوية الخارجية:

ما هو الاحتكار الممنوع منه ؟

الآن نصل إلى ما يرتبط بموضوع الاحتكار والتسعير، وأول ما يواجهنا في موضوع الاحتكار هو: أننا لابد من أن نفرق بين الاحتكار وبين الموارد الأخرى الشبيهة به حيث يحصل الخلط في ما بينهما كثيراً فنقول إذا كان هناك فرد يحبس السلعة ليلتمس بها الفضل فإن هذا لم يذمّه الشارع ولا أدانه وإنما حسّن عمله وقبل به فقد ورد أنه لابأس للإنسان المسلم أن يحتفظ بالسلعة يلتمس بها الفضل والزيادة يعني لا مانع من أن تحتفظ بسلعتك إلى يوم تربح فيها أكثر.

وهذا، لم يعده الشارع من موارد الاحتكار وأن كان يختلط ذلك على كثيرين، لكن الذي عده الشارع من الاحتكار ومنع منه وحاربه هو أن يترك الناس وليس لهم طعام وهو الاحتكار الذي يوجب خللاً في السعر الواقعي للسلعة، ويضر بالعامة.. أي أن نفس حبس السلعة يكون له أثره على السعر وعلى القيمة إذ مرة يكون السعر مما تفرضه طبيعة توفر الأشياء ورغبة الناس فيها وشرائط العرض والطلب، وهذا ليس من موارد الاحتكار.

مثلاً البطيخ اليوم بعشر توامين ولكن قبل شهرين كان بعشرين وكل منهما سعر واقعي في وقته وفي ظروفه وفي ما يرتبط بحالته الواقعية. يعني الظروف الموضوعية اقتضت أن تكون رغبة الناس بهذه السلعة موجبة لأن يعطوا فيها هذه القيمة وهي قيمة واقعية لها نشأت من ملاحظة أيام ظهورها في الأسواق، ومن حاجة الناس إليها ومن رغبتهم فيها وكثرة توفرها أو قلة توفرها، كل هذا قد أثّر. فقد يعمل الإنسان عملاً يوجب سرعة ظهور الثمرة، أو جودتها، أو تكون أرضه أجود من غيرها وأخصب أو نحو ذلك.

وهذا، كله يعود إلى عوامل طبيعية وعادية أو نتيجة عمل معين ولكن مرة أنت تحتكر واحتكارك يؤثر على السعر الواقعي أي أن الاحتكار يحدث خللاً في السعر، ومعنى ذلك هو أن الاحتكار هو الذي يوجب خللاً في واقعيات الأشياء ويجعل سعراً كاذباً وغير واقعي ومن دون تقديم أية خدمة، أو تجويد أية سلعة. فالإسلام يرفض إحداث خلل كهذا سواء في طرف الزيادة أو في طرف النقيصة على حد سواء، فهو يرفض حتى البيع بثمن أرخص من الثمن العادي الواقعي.

إذ لا فرق في ما يوجب ضرراً بالسعر الواقعي بين أن يكون هو الاحتكار الموجب لارتفاع الثمن بصورة غير صحيحة بحيث يخرجه عن حالته الواقعية إلى حالة جديدة لم تكن وإنما وجدت بسبب نفس الاحتكار وفقدان السلعة في السوق.

وبين أن توجد السلعة في السوق وتبيعها بأنقص من قيمتها بهدف الإضرار بالآخرين، والتسبب بتآكل رؤوس أموالهم، فإن نتيجة هذا أيضا هو نتيجة الاحتكار تماماً وقد منع منه الشارع وهدّد من يفعله بمنعه من التجارة أصلاً كما سنرى في بعض النصوص.

والخلاصة: أن الاحتكار الممنوع عنه شرعاً هو الاحتكار المضر الذي أشار إليه أمير المؤمنين (ع) في عهد الأشتر حيث قال: "فإن ذلك باب مضرة على العامة"[6].

أما الاحتفاظ بالسلعة الذي ليس فيه مضرة على العامة، بل يريد أن يلتمس بسلعته الفضل (الزيادة) من دون أن يحدث فعله خللاً في السعر الواقعي. فهذا ليس احتكاراً ولا بأس به، فقد ورد في الرواية أنه: " لابأس بأن يلتمس بسلعته الفضل".

أما إذا أوجب احتفاظك بها خللاً في الأسعار والقيم الواقعية فإن الحاكم حينئذ يمنع منه وينهي عنه ويعاقب عليه، كما كتب علي(ع) لرفاعة بن شداد " وعاقبه " فأمره بالعقاب على ذلك، وفي عهد الأشتر " فامنع من الاحتكار" إلى أن قال: "وعاقبه من غير إسراف.. " فالميزان في الاحتكار هو الضرر، إذن فليس كل من وضع في بيته سلعة يكون محتكراً نستطيع أن نأخذها منه ونعاقبه ونحبسه على ذلك.

أسباب المنع من الاحتكار:

المنع من الاحتكار يأتي لسببين، سبب يرتبط بأمن الدولة وسبب يرتبط بالإضرار بالناس، لأن المال إنما هو لأجل إسعاد البشر ولأجل حل مشاكلهم، فإذا أوجب المال مشكلة لهم إذا أوجب شقاءهم وحرمانهم من السعادة بأي طريقة كانت فيجب أن يحارب. لأن الحرية في التجارة وفي الكسب إنما جاءت لأجل تأمين السعادة وكما تعلمون لما كان الغش والربا والقمار لا يقدم خدمة للبشر ولا يوجب سعادة لهم، ولا يحل لهم مشكلة بل يوجب استهلاك قدرة الآخرين واستهلاك نشاطهم وإتلاف جهدهم من دون أن يُقدّم خدمة جديدة توجب لهم السعادة أو توجب راحة أو تحل مشكلة، ولا يقدم سلعة جديدة، لهذه الأسباب قد منع منه (القمار، الربا..) لأنه ليس فقط لم يوجد خدمة ولم يقدم سلعة بل أوجب تآكل جهد الآخرين من دون أي مقابل، فأنت تأخذ في الربا والقمار.. جهد الآخرين بدون عوض وهذا هو أكل المال بالباطل وهذا ممنوع.

العقاب على الاحتكار:

قلت الكلام في ما يرتبط بالتدخلات السلطوية من قبل النبي (ص) والأئمة (ع) في ما يرتبط بأمور الاحتكار والتسعير، وقد حصر أمير المؤمنين التدخل في مجال الاحتكار في ثلاثة أشياء:

قال (ع) في عهد الأشتر "امنع من الاحتكار"[7] فهذا ناظر إلى مجال التشريع والتقنين يعني أن القانون يمنع منه حتى إذا حصلت المخالفة، فقد ذكر في العقاب عليها أشياء ثلاثة:

ألف: "لكن من غير إسراف"[8] وحسب اعتقادي فإن سند عهد الإمام للأشتر مقبول ويمكن الاعتماد عليه وكلمة "من غير إسرافٍ" إذا لاحظتموها لم تجدوها في أي مخالفة أخرى (حسب علمي) ولعل سبب ذلك هو أن قضايا المال بطبيعتها تثير حساسيات الآخرين فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا الأمر الذي يثير الشيهة للتنكيل بالآخرين ولقهر الآخرين وتسجيل نقاط ضدهم.

وقد لاحظ علي(ع) هذه الشهية فحاول أن يخفّف منها: لأن الحسد وحب الانتقام من الآخرين موجود في طبيعة الإنسان؛ والإنسان بشكل عام في موارد كهذه إنما يتعامل مع الأمور من موقع العواطف ومن موقع الأحاسيس الأمر الذي يخرجه عن حالة التعادل. ولهذا فهو عليه السلام يريد أن يرجع حالة التعادل إليه فقال له لابد أن تكون إنساناً متوازناً وأن تلاحظ مقدار العقاب الذي تريد أن تعاقبه به وليس الأمر راجعاً إلى طموحاتك وتشفيات نفسك فالإمام (ع) يريد أن يمنع من حالة التشفي والانتقام ولذا قال "من غير إسرافٍ".

ب: وهذا ما يرتبط بالعقاب البدني لشخص الفاعل، ليرتدع عن هذا العمل السيئ ويراقب الله سبحانه في مواقفه وأعماله.. ولا ينساق مع شهواته ونوازعه.

ج: ولكن من الواضح أن ذلك لا يكفي لإصلاح ما أفسده فكان ثمة إجراء آخر من أجل معالجة حالة فساد أخرى نشأت عن عمله ذاك فإن رسول الله (ص) قد عاقبهم بإحضار ما احتكروه إلى حيث ينظر الناس إليها فكلمة " إلى حيث ينظر الناس إليها " قد وردت في النص[9] وهذه الكلمة تدل على أن النبي(ص) يريد أن يؤثر على روحيات الناس أيضاً، فإن الناس إذا رأوا السلعة متوفرة في السوق تطمئن نفوسهم وترجع الأسعار إلى حالتها الطبيعية بعد أن تكون قد تأثرت باحتكار ذلك المحتكر وهذا يؤثر في إرجاع حالة التعادل للأسواق إذ قد يعاقب المحتكر لكن الناس حين لا يرون سلعته في الأسواق ظاهرة متوفرة فإنهم يبقون على حالة تخوفهم من فقدان السلعة فلابد إذن من أن تخرج إلى الأسواق لينظر الناس إليها وتطمئن نفوسهم وترجع الحالة النفسية إلى حالتها الطبيعية وإذن فلا يكفي أن يترك الوالي يعاقب ذلك الرجل في الخفاء من غير إسراف بل لابد وأن يعمل عملاً آخر يوجب أن ترجع إلى السوق حالته الطبيعية، لكي لا يبقى الناس في تخوفهم.

د: ومن جهة أخرى: فإننا نجد أنه لابد من عقاب آخر يعيد للسلطة هيبتها وهيمنتها، فإن أمير المؤمنين قد جعل الاحتكار مضراً في أمرين: مضراً للعامة، ومضراً بالسلطة حيث قال: "وذلك باب مضرة على العامة وعيب على الولاة "[10].

وواضح: أن إضعاف شأن السلطة والحكم أعظم ضرراً من كل شيء وإذا اهتز الحكم انتهى كل شيء فلابد من تدارك الموقف ونحن نجد أن أمير المؤمنين (ع) وكذلك النبي (ص) قد عاقبا في كثير من الأحيان بعقابات سلطوية قد تبدو لنا عجيبة مثلاً نجد النبي (ص) في قضية سمرة بن جندب، الذي كان له نخلة في بيت جاره.

وكان يدخل في بيت جاره من غير استئذان، بحجة الوصول إلى تلك النخلة. فتضايق جاره، واشتكى إلى رسول الله (ص).

فطلب رسول الله (ص) من سمرة أن لا يدخل إلاّ أن يستأذن. فرفض.

فقال (ص): بعنيها بنخلة من الجنة، فلم يقبل. فزاده فرفض أيضاً.

فلما رأى النبي (ص) لجاجه وعناده عامله من موقع الحزم، وإرجاع الاعتبار.

ولإظهار: أن قضية المال حالة ووسيلة يتوسل بها إلى إسعاد الناس، وإلى حلّ مشاكلهم، فإذا أصبح المال للإضرار بهم، فلا قيمة له. والإنسان أهم من المال وأغلى كما أن عدم الإنصياع لطلب الحاكم والتمرد عليه مما لا يمكن القبول به. ولذا قال له (ص): اقلعها وارم بها إليه[11].

وفي قضية مسجد الضرار كان يمكن للنبي (ص) أن يبقي المسجد، ويمنع المنافقين منه، ولكن.. من أجل أن لا يبقى هذا المركز يمثل طموحاً للمنافقين، بحالة بما له من قدسية لديهم، وبما يمثله من ذكريات وتمنيات، الأمر الذي من شأنه أن يضر بالسلطة، ويسبب لها مشاكل كثيرة في المستقبل.. نعم.. من أجل ذلك، فقد أمر النبي (ص) بهدم هذا المسجد، ولم يبق عليه[12].

كما أنه (ص) في حرب خيبر، حين رأى المسلمين بصدد ذبح الحمير الأهلية، فقد نهاهم عن ذلك من موقع المدبر والحكيم والحاكم، من أجل الحفاظ على ثروة قد يحتاجون إليها في الموقع المناسب[13].

وحين خالفوا النهي، فقد أمر النبي (ص) بإكفاء القدور التي طبخ فيها ذلك اللحم، وأتلف ما كان منه فيها.

وهذا يعني: أنه حين تصبح السلطة في معرض الإضعاف، فلابد من اتخاذ الموقف القوي الذي يحفظ لها هيبتها، ويعيد لها هيمنتها، ولو كان ذلك بواسطة التضحية بالمال، كما في هذا المورد.

كما أننا نجد أمير المؤمنين(ع) قد أحرق بيادر لرجل كان قد احتكرها، كانت قيمتها مئة ألف (البيدر هو الساحة التي يكون فيها القمح). وهذه قيمة كبيرة جداً، ولعل هذا الطعام يكفي لإطعام أهل العراق لمدة طويلة[14].

ويقول رجل اسمه حبيش: أحرق لي علي بن أبي طالب بيادر بالسواد  –  كنت احتكرتها –  لو تركها لي لربحت مثل عطاء الكوفة[15].

وواضح: أن هذا النوع من الاحتكار يضر بحالة العامة، ويضعف أمر السلطة، وذلك عندما يتوجه النقد كله إلى الحاكم، ويكون هو المطالب والمسؤول عن كل خلل أو نقص في حياة الناس.

وطبيعي أن يكون الجواب القاطع منه هو الموقف القوي والحازم، الذي يقطع دابر كل تلاعب، أو جرأة عليه وعلى النظام بصورة عامة.. ويكون إحراق السلعة المحتكرة هي ذلك الرد الحازم والمناسب في حالات كهذه. وقد روي أن النبي (ص) قد أحرق خيمة نصبت في موضع من السوق غير مناسب.

وذلك كله يدل على أن إتلاف الأموال ليس أمراً غريباً ولا مستهجناً، ولا يتعين مصادرة المال وإطعامه للناس، بل إذا كان إحراقه وإتلافه هو الإجراء الأمثل والأفضل. لاسيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الحاكم العادل، وأن كان يحق له مصادرة ذلك المال.

لكن قد يجعل حكام الجور أجراء كهذا وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل، فيصادرون أموالهم بحجة الاحتكار، أو بغير ذلك من حجج.

وعلى هذا.. فإنه يتعين على النبي (ص)، وعلى الإمام، والحاكم العادل أن يفعل فعلاً يؤدب به الآخرين، ويحكم به أمر السلطة، ويمنع من تذرع الحكام الجائرين، بموقفه العادل للتوصل إلى ظلم الآخرين، وتضييع حقوقهم.

والخلاصة: أننا بالنسبة لعقاب المحتكرين، قد وجدناه يصب في اتجاهات ثلاثة (حسب ما رأيته في النصوص):

الأول: يصب في اتجاه تأديب نفس الشخص المحتكر ( ولكن بغير إسراف ) ليكون ذلك عظة لنفسه ولغيره على حد سواء.

الثاني: يصب في اتجاه التأثير في مجال إرجاع حالة الثقة والتوازن للسوق، وذلك بإظهار السلعة بحيث ينظر الناس إليها. بالإضافة إلى أن ذلك يمثل مزيداً من الأذى الروحي والنفسي للمحتكر نفسه.

الثالث: يصب في اتجاه تأكيد هيمنة الحكم وقوته، وهذا الأخير له تأثير في ثلاثة جوانب:

الجانب الأول: فيما يتعلق بتقوية أمر السلطة، وعدم تعريضها للاهتزاز بنظر العامة، وعدم إضعافها وخلق المشكلات لها.

الجانب الثاني: قمع حالة التمرد عليها من أصحاب الأهواء والطموحات، سواء بالنسبة لهذا المحتكر، أو بالنسبة لغيره ممن هو في صدد ذلك، أو يمكن أن يفكر فيه.

الجانب الثالث: فيما يرتبط بعدم إعطاء الذرائع لحكام الجور للإضرار بالناس.

وقد إتضح: أن المال لا قيمة له، وأنه يمكن إتلافه في قبال ما هو أهم وأخطر وأولى.

التسعير:

وأما بالنسبة إلى التسعير فإنني أشير هنا إلى عدة أمور.

الأول:

أنهم يذكرون – ما مضمونه -: " أن رسول الله(ص) مر بالمحتكرين فأمر بسلعتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق لينظر الناس إليها، فقالوا: يا رسول الله، ألا تسعر عليهم، فاستنكر ذلك وقال: أنا أسعر عليهم؟ [16]

إنما السعر إلى الله يرفعه إذا شاء ويحفظه إذا شاء".

فنلاحظ هنا: أن الاحتكار لم يبرر للنبي(ص) أن يتصرف بالأسعار، حيث أن أمر السعر ليس له، وإنما هو إلى الله سبحانه[17].

والمراد من قوله: إنما السعر إلى الله، يرفعه إذا شاء إلى آخره.. هو ما سبق من أن الحالة الطبيعية والواقعية لقوانين العرض والطلب هي التي تعين السعر للسلعة. وهذه الحالة أمر واقعي، لا يمكن للإسلام أن يتجاوزه. لأن المعايير لابد أن تعالج قضايا الواقع، فإذا تجاوزت تلك المعايير ذلك الواقع، فإنها تخرج عن كونها معايير وضوابط، بل تصير وسائل تخريبية، فإن أي ضابطة لابد أن تأخذ في حسابها المحافظة على الأمور الواقعية بواقعيتها وإذا أرادت أن تخرج الواقع عن واقعيته، فإنها لا تعود ضابطة بل تصير وسيلة تخريب وتشويش وحينما قال النبي(ص) إنما السعر إلى الله يرفعه إذا شاء ويخفضه إذا شاء ليس هذا بمعنى الجبر الإلهي بمعنى أن الله هو الذي يجعل السعر، بل المراد أن الأشياء الواقعية مثل الرغبة الموجودة لدى الناس ومثل توفر السلعة في السوق ووقت ظهورها كما في المزروعات والمنسوجات ووقت الاحتياج إليها وغيرها كل ذك يؤثر في تعيين السعر لتلك السلعة وهي كلها أمور جعلها الله من شؤون الحياة وخصوصياتها لابد من أخذها بنظر الاعتبار في مقام تعيين السعر، فللسعر إذن واقعية مستمدة من حالات طبيعية وواقعية موجودة في محيط الإنسان وفي وجوده وشخصيته أيضاً. وهذا هو المقصود بقوله: إنما السعر إلى الله إلخ..

البيع السمح:

وقد قلنا: أن أمير المؤمنين(ع) قد قال في عهده للأشتر، بعد أن أمره بالمنع من الاحتكار: "وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين، من البائع والمبتاع"[18].

فالمراد بالبيع السمح، هو ما كان مثل إنظار المسعر، وإقالة النادم، فقد يكتشف المشتري أنه ليس بحاجة إلى تلك السلعة، أو أنها لا توافق غرضه وقد يجد نفسه غير قادر على توفير ثمنها.

كما أن من يكون معسراً فإن إنظاره بالثمن وتأجيل أخذه منه هو أيضاً من السماحة في البيع. وإقالة النادم، وإنظار المعسر هو ما شرطه النبي(ص) على حكيم بن حزام، الذي احتكر جميع طعام المدينة ولولا قبوله بذلك لما كان سمح له بممارسة التجارة.

الرقابة على الموازين:

أنه (عليه السلام) كما اشترط في عهده للأشتر أن يكون البيع بيعاً سمحاً، كذلك قد اشترط أن يكون بموازين عدل وأسعار لا تجحف إلخ..

وهذا يدل على أن على الحاكم بالإضافة إلى المنع من الاحتكار: أن يراقب الوزن، وأن يراقب الأسعار أيضاً. ليمكن له أن يعرف إن كانت الموازين موازين عدل، وإن كانت الأسعار مجحفة بالفريقين أم لا.

ومن الواضح: أن ذلك يحتاج إلى جهاز قوي وقادر على إنجاز مهمة كهذه.

ولعل ما كان في زمن النبي(ص) من مراقبة للسوق قد كان يهدف إلى تحقيق ذلك.

كما أن ذلك يؤكد الحاجة إلى سلطة ذات صلاحيات تمكنها من تحقيق هذه الأمور: وعدم قدرة على التخلف والمخالفة، وهذه الأمور هي:

1 - السماحة في البيع.

2 - موازين العدل.

3 - عدم الإجحاف في الأسعار بالنسبة لكل من البائع والمبتاع.

ويحدثنا التاريخ: أن أمير المؤمنين(ع) كان يراقب الأسعار بنفسه. قال أبو الصهباء: رأيت علياً بشط الكلا (اسم مكان) يسأل عن الأسعار[19].

المطلوب هو التسعير؟ أم عدم الإجحاف؟

ونلاحظ هنا: أن قوله: لا تجحف بالفريقين[20] يحتاج إلى مزيد من الإيضاح، فنقول: الإجحاف هو حالة من التعدي، والتضييق، التعدي على حقوق الآخرين، وتضييع شيء منها. والمطلوب هو عدم الإجحاف. ولم يطلب التسعير، حيث لم يأمره بالتسعير عليهم. بل قال له: يجب أن تكون الأسعار بحيث لا تجحف بأي من الفريقين.

فالإجحاف أن كان في طرف القلة، بأن تكون السلعة بأقل من ثمنها الواقعي، فالإجحاف يكون بحق البائع. وإن كان في طرف الكثرة بأن كانت بأكثر من ثمنها الواقعي، فالإجحاف يكون بحق المشتري (المبتاع).

وليس في كلامه (عليه السلام) أمر بتحديد السعر مئة بالمئة، بل فيها نهي عن الإجحاف في السعر.

والنبي (ص) حينما مرّ بالمحتكرين فإنه أمر بسلعتهم أن تخرج إلى بطون الأسواق وينظر الناس إليها ولكنه لم يسّعر عليهم بل أبقى السعر إلى الله[21] (هذا في السعر الواقعي الذي قد يختلف في بعض الأحيان بسبب الفقر والغنى والصداقة وعدمها وغير ذلك..).

ولكن يبقى أنه هل للمولى إذا رأى مصلحة العامة في التسعير هل له أن يسعر أو ليس له أن يسعر؟

فإن هذه المسألة ترتبط بموضوع الأوامر التدبيرية ونقول باختصار أن عندنا ثلاثة أنواع من الأوامر:

1 - الأوامر الواقعية: أي الأحكام الواقعية الثابتة للأمور بالعنوان الأولى كما يقولون.

2 - الأحكام الثابتة للأمور بالعنوان الثانوي: أي حين طرو عنوان الاضطرار أو الحرج.

3 - وهناك أوامر تدبيرية: فإذا كان الحكم الواقعي لشيء من الأشياء الحلية مثلاً، أو ملكية الإنسان في ملكه والحكم الثانوي لم يصل إلى درجة الاضطرار (كما في الاضطرار إلى أكل الميتة مثلاً) ولا إلى درجة الحرج ولكن الحاكم يرى أن هذا التدبير يوجب زيادة في رفاهية الناس من دون أن يكون هناك ضرورة حتى تشمله أدلة الاضطرار ومن دون أن يكون حرج حتى تشمله قاعدة لا حرج وغير ذلك من عناوين ثانوية،  فيرى الحاكم مثلاً أنه لو منع من خروج الدولار من المطار فإن هذا العمل يوجب زيادة في رفاهية الناس بنسبة خمسة بالمائة مثلاً، ولم يصل الأمر إلى درجة التعنون بالعنوان الثانوي مع أن فيه تحديد لسلطة الناس على أموالهم، فهذا المقدار من التحديد يقال له أوامر تدبيرية أو أوامر ولايتيه وهذه الأوامر موجودة في حياة النبي والأئمة، بشكل مكثف وإليك بعض الشواهد: ففي بعض النصوص[22] أن النبي (ص) أرسل رجلاً إلى بادية بني أسد ليمنع من الصيد في تلك المنطقة فقد كانت الطيور فيها كثيرة وكان النبي (ص) يريد أن يحافظ على هذه الثروة الحيوانية من أن تتعرض للإتلاف، فهنا يحل للإنسان – بالعنوان الأولي أن يصطاد للطعام – والعنوان الثانوي أيضاً غير موجود إذ لا اضطرار إلى طيور بني سعد بحيث يموت المسلمون لو لم يأكلوا منها أو لم يحافظوا عليها كما أن الأمر لم يصل إلى درجة الحرج أيضاً. فهذا أمر تدبيري يراد به جلب المزيد من المنفعة للمسلمين.

وعن أمير المؤمنين(ع) أنه كان يضمن الصائغ والقصّار احتياطاً على أموال الناس ولا يضمن من الغرق والحرق والشيء الغالب[23].

مع أن ثمة قاعدة تقول ما على الأمين من ضمان أي لا يضمن لو تلفت الأمانة بدون تقصير. ولكن احتياط أمير المؤمنين على أموال الناس، قد جعله يصدر هذا القانون التدبيري، حتى لا يتساهل الناس في أماناتهم، أو حتى لا يتخذ ذلك ذريعة إلى الذهاب بها..

ولم يصل الأمر في هذا المورد إلى درجة الضرورة، ولا إلى حد الحرج، ولا غير ذلك من العناوين الثانوية، بل هو حكم ولايتي تدبيري كما قلنا.

وللأوامر التدبيرية أمثلة كثيرة لا مجال لتتبعها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

_______________

[1] وسائل الشيعة، التجارة،  باب2 ح4 كراهة ترك التجارة ج17 ص14.

[2] وسائل الشيعة، التجارة،  باب2 ح12 كراهة ترك التجارة ج17 ص17.

[3] وسائل الشيعة، التجارة،  ج17 ص435 وج 12 ص321 وبحار الأنوار ج47 ص235 وج67 ص125 وتحف العقول ص352..

[4]  سورة الجمعة آية2.

[5] سورة الحديد آية25.

[6] نهج البلاغة ج3 ص100.

[7] نهج البلاغة ج3 ص100.

[8] نهج البلاغة ج3 ص100.

[9] تهذيب الأحكام ج7 ص161 من لا يحضره الفقيه ج3 باب الحكرة والتسعير حديث2 ج3 ص265.

[10] نهج البلاغة ج3 ص100.

[11]وسائل الشيعة باب من أبواب الأطعمة والأشربة ج16 ص327 والتهذيب ج9 ص42 والمقنع ص418.

[12]الإيضاح ص543 والفصول المهمة ج1 ص672 وبحار الأنوار ج2 ص276 وج22 ص134.

[13]مجمع البيان ج5 ص110.

[14]المصنف لعبد الرزاق ج5 ص48.

[15] المحلى ج9 ص65.

[16] تهذيب الأحكام ج7 ص161 والفقيه ج3ص265 ح2.

[17]المصدر السابق.

[18]نهج البلاغة ج3 ص100.

[19] ذخائر العقبى ص109.

[20]نهج البلاغة ج3 ص100.

[21] تهذيب الأحكام ج7 ص161 والفقيه ج3 ص265 ح2.

[22] الإصابة ج2 ص208 / 209 والتراتيب الإدارية ج2 ص98 وراجع من لا يحضره الفقيه ج3 ص321 ودعائم الإسلام ج2 ص168 .

[23] وسائل الشيعة باب من أبواب الإجارة ح 6.


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=104
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 02 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19