• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : المؤلفات .
              • القسم الفرعي : المقالات والأبحاث .
                    • الموضوع : الإمام علي ( ع ) وأموال مروان .

الإمام علي ( ع ) وأموال مروان

 بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد..

يذكر بعض المؤرخين أن مروان بن الحكم كان قد أقرض الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام مالاً، ثم سامحه به هو، أو سامحه به هشام بن عبد الملك فيما بعد.

قال ابن سعد:

"علي بن محمد، عن جويرية بن أسماء، عن عبد الله بن علي بن زين العابدين قال:

لما قتل الحسين قال مروان لأبي إن أباك كان سألني أربعة آلاف دينار، فلم تكن حاضرة عندي، وهي اليوم عندي مستيسرة، فإن أردتها فخذها، فأخذها أبي. فلم يكلمه أحد من بني مروان فيها، حتى قام هشام بن عبد الملك. فقال لابي: ما فعل حقنا قبلكم ؟ قال: موفر مشكور. قال: هو لك.."[1].

وقال ابن كثير:

".. وروى المدائني عن إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد أن مروان كان أسلف علي بن الحسين حتى يرجع إلى المدينة بعد مقتل أبيه الحسين ستة آلاف دينار، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه عبد الملك أن لا يسترجع من علي بن الحسين شيئاً، فبعث إليه عبد الملك بذلك، فامتنع من قبولها، فألح عليه، فقبلها.."[2].

وقال ابن كثير أيضاً:

".. وقال الأصمعي لم يكن للحسين عقب إلا من علي بن الحسين. ولم يكن لعلي بن الحسين نسل إلا من ابن عمه الحسن[3].

فقال له مروان بن الحكم لو اتخذت السراري يكثر أولادك؟..

فقال ليس لي ما أتسرى به، فأقرضه مئة ألف، فاشترى له السراري، فولدت له، وكثر نسله. ثم لما مرض مروان أوصى أن لا يؤخذ من علي بن الحسين شيء مما كان أقرضه، فجميع الحسينيين من نسله، رحمه الله.. "[4].

ونحن نعتقد: أن ذلك كله لا أساس له من الصحة، وإنما هو محض افتراء واختلاق، ومن الأساطير التي لا تستند إلى أي سند تاريخي يصح الاعتماد عليه، والاستناد إليه... بل التاريخ يناقضها، ويكذبها..

واعتقادنا هذا يرجع إلى عدة اعتبارات... ولبيان ذلك نقول:

إن هذه النصوص تفيد أن علي بن الحسين كان يعاني من ضائقة مالية. جعلته يقترض من مروان ما يستطيع أن يتسرى به، وينفق منه على سائر شؤونه وحاجاته.. وأن أباه الحسين نفسه كان يعاني من قلة المال، حتى لقد طلب من مروان إسعافه بأربعة آلاف دينار.. فلم يستطع هذا تلبية طلبه.

وتفيد أيضاً أن علي بن الحسين لم يكن يستطيع أن يفي بعض ما عليه، حتى سامحه هشام بن عبد الملك في أيام خلافته.. إلى غير ذلك من الأمور التي يمكن استخلاصها من هذه النصوص، والتي يمكن أن يُفهم جانب منها في مطاوي هذا البحث..

ونحن.. من أجل استيفاء البحث حول هذه النصوص نؤثر أن نتكلم حول كل واحدة منها على حدة فنقول:

أما حديث الأربعة آلاف التي اقرضه إياها مروان، وبقيت عنده إلى أيام هشام فسامحه بها، فحديث غريب وعجيب.. فعدا عن التناقض بين الروايات.

أولاً:

هي تنص على أن الحسين كان قد طلب أولاً من مروان هذا المال، فلم يلب طلبه، ثم أعطاه لولده علي بن الحسين..

والسؤال هنا هو:

لماذا يختار الحسين مروان بن الحكم ليقترض منه ؟

ألم يكن على اطلاع بعداوته وسائر بني امية لأبيه وأهل بيته، وحارب أباه في وقعة الجمل، وكان يلعنه على المنابر، ويحاول جاهداً النيل منه، ومن كل من يمت له بأية صلة أو رابطة ؟

ألم يرفض الحسين أبي الضيم صلة معاوية له، وردّ ما كان أرسل به إليه، ولم يقبل منه شيئاً، وذلك عند ما قدم معاوية مكة؟[5]

وهل كان الحسين حقاً بحاجة إلى المال ؟

ولماذا هذا المبلغ الضخم ؟

أربعة آلاف دينار.. وإذا كان الحسين بحاجة إلى المال وقد توفي، فهل هذه الحاجة تنتقل منه إلى ولده ؟!.

ومن الناحية الأخرى لماذا يقبل علي بن الحسين من مروان ما كان قد عرضه على ابيه ؟

مروان الذي لم يزل عدواً لبني هاشم حتى مات[6] - لماذا يقبل منه ذلك...، بعد أن رآه يشير على أمير المدينة الوليد بن عتبة بقتل أبيه الحسين – باتفاق المؤرخين – وبعد أن رآه يتصرف مع رأس أبيه الحسين ذلك التصرف المشين الآتي بيانه؟.

وكذلك موقفه عند وفاة عمه الإمام الحسن(ع) إلى آخر ما هنالك من مواقف مروان المعروفة منه، ومن آل علي بشكل عام..

وثانياً:

كيف لم يستطع علي بن الحسين طيلة تلك المدة التي تزيد على الأربعين سنة أن يوفي هذا الدين، حتى يضطر هشاماً إلى مطالبته بالحق الذي له قبله ؟

مع أنه كان ينفق من الأموال الشيء الكثير الكثير.

وكان " يعول مئة أهل بيت بالمدينة. ولا يدرون بذلك حتى مات "[7] و" دخل على محمد بن أسامة بن زيد يعوده، فبكى، فقال له ما يبكيك ؟ قال علي دين.

قال وكم هو ؟ قال خمسة عشر ألف دينار – وفي رواية: سبعة عشر ألف دينار – فقال هي علي "[8].

كما أنه قد أعطى الكميت عندما مدحه أربع مئة ألف درهم جمعها له من نفسه وأهله[9] على ما قيل.. وأعطى الفرزدق اثني عشر ألف درهم..

فلماذا لا يفي الأربعة آلاف إذن ؟.

وإذا كان يعجز عنها، فلماذا لا يعجز عن السبعة عشر الف دينار ؟

وعن الأربعمائة ألف درهم ؟

ولماذا لا يعجز عن إعالة المئة أهل بيت ؟

ولماذا يعتق العبيد، ويعطي الشعراء، وغيرهم ؟

لماذا كل ذلك ؟

ألم يكن من الأفضل له ان يقضي دينه، ويقطع ألسنة المطالبين له بحقوقهم ؟.

أم يعقل أنه أراد أن يذهب بحق آل مروان، ويجحده ؟

أم أنه كان يامل أن ينسوا حقهم هذا ولا يذكروه، بعد مضي تلك الأزمنة المتطاولة أكثر من أربعين عاماً.

ولماذا اختص هشام بالمطالبة له، وسكت عنه الباقون ؟ فهل المراد غسل عار قضيته مع زين العابدين والفرزدق من قبل، وأيضاً عار قتله زيد بن علي بن الحسين فيما بعد ذلك ؟ إلى آخر ما هنالك من الأسئلة التي لم تجد الجواب المقنع والمفيد قطعاً.

وثالثاً:

لقد كفانا ابن كثير نفسه مؤونة الرد على ذلك، حيث علق على ما ذكر بقوله:

".. قلت هذا الكلام فيه نظر وذلك أن علي بن الحسين مات سنة الفقهاء وهي سنة أربع وتسعين، قبل أن يلي هشام الخلافة بإحدى عشرة سنة، فإنه إنما ولي الخلافة سنة خمس ومئة..

فقول المؤلف[10] إن أحداً من خلفاء بني مروان لم يتعرض لمطالبة علي بن الحسين حتى ولى هشام بالمال المذكور، فيه نظر، ولا يصح، لتقدم موت علي على خلافة هشام.."[11].

وأما حديث اقتراض علي بن الحسين عليه السلام من مروان ستة آلاف دينار، من أجل أن ينفق على العيال في مسيرهم من الشام إلى المدينة، بعد قتل أبيه الحسين، فهو لا يستقيم أيضاً لعدة أمور.

فبالإضافة إلى بعض ما قدمناه من عداوة آل مروان لآل علي(ع)، وغير ذلك مما لا نرى حاجة لإعادته.. نسجل هنا الملاحظات التالية:

1- لا ندري لماذا يحتاج علي بن الحسين في الرجوع إلى المدينة إلى هذا المبلغ الضخم من المال ولاسيما في تلك الفترة، التي كان المال القليل فيها يفي بالحاجات الكثيرة..

2- إن هذا ينافي ما يذكره المؤرخون من أن يزيد بن معاوية عندما رأى أن وجود آل علي بالشام في غير صالحه، وأنه يوجب تأليب الرأي العام ضده، وخصوصاً بعد خطبة زينب المشهورة في ديوان يزيد، وأيضاً بعد خطبة زين العابدين في المسجد، هذه الخطبة التي هزت العرش الأموي، وزعزعت أركانه، وأوجبت هياج الناس، واضطرابهم.. الأمر الذي اضطر يزيد إلى ان يأمر المؤذن أن يرفع الأذان، ليقطع على زين العابدين كلامه[12].

فلقد أعلم زين العابدين الناس أن الحسين الذي قتله يزيد لم يكن خارجياً، لا يؤمن بالدين ولا بالإسلام.. وكذلك من كانوا معه، وإنما هو ابن رسول الله، والذين كانوا معه هم من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً.. ومن شيعتهم ومحبيهم.. وهي الخطبة التي يقول فيها أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا الخ.. ولولا أن المقام لا يتسع لها لأوردتها بطولها، مع كل ملابساتها.. ولكن نرجئ ذلك إلى فرصة أخرى نسأل الله التوفيق لها..

والمهم.. الذي نريد الإشارة إليه هنا هو أن يزيد لما رأى أن بقاء آل علي بالشام في غير صالحه، غير سياسته معهم ظاهرياً، وأظهر الندم عندما رأى مقت المسلمين وبغض الناس له[13].. وألقى اللوم على ابن مرجانة، ووهبهم الأموال الكثيرة – على حد تعبير ابن كثير في البداية والنهاية، وأزاح علتهم في سفرهم إلى المدينة..

3- إن مروان لم يكن حينئذ بالشام، وإنما كان بالمدينة، ولم يأت إلى الشام إلا بعد ذلك بمدة طويلة، وإذا كان مروان بالمدينة، وعلي بن الحسين بالشام، فكيف اقرضه ستة آلاف دينار؟..

قال في الإصابة وهو يتحدث عن مروان: ".. ثم ولى امرة المدينة لمعاوية، ثم لم يزل بها إلى أن أخرجهم ابن الزبير في أوائل إمرة يزيد بن معاوية، فكان ذلك من اسباب وقعة الحرة. وبقى في الشام إلى أن مات معاوية بن يزيد الخ.."[14].

وقد أخرجهم منها ابن الزبير بعد قتل الحسين(ع) كما سنشير إليه.

ومما يدل أيضاً على أنه كان بالمدينة ما ذكره سبط ابن الجوزي، قال " دفن رأس الحسين عند أمه وذكر الشعبي أن مروان كان بالمدينة، فأخذ الرأس وتركه بين يديه، وتناول أرنبة أنفه، وقال:

يا حبذا بردك في العيدين           ولونك الأحمر بالخدين

والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان.."[15].

وعن " تاريخ  البلاذري أنه لما وافى راس الحسين عليه السلام المدينة، سمعت الواعية من كل جانب، فقال مروان بن الحكم:

ضربت دوسر فيهم ضربة             أثبتت أوتاد الملك فاستقر

ثم جعل ينكت بالقضيب في وجهه، ويقول:

يــا حـبـذا لـونـك فـي اليدين                   ولونـك الأحـمـر بـالخـديـن

كـأنمـا بــت بـعـسـجـديــن                   شفيت منـك النفس يا حسين"[16]

أما ابن أبي الحديد فيذكر هذه الحادثة على النحو التالي:

".. واما مروان فأخبث عقيدة، وأعظم إلحاداً وكفراً. وهو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسين (ع) إلى المدينة – وهو يومئذ أميرها – وقد حمل الرأس على يديه، فقال:

يـا حـبـذا بـردك فـي الـيـديـن           وحمرة تجري عـلـى الـخـديـن

كـأنـمـا بـات بـعـسـجـديـن

ثم رمى بالرأس نحو قبر النبي وقال يا محمد، يوم بيوم بدر.. إلى أن قال: هكذا قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي. والصحيح: أن مروان لم يكن أمير المدينة يومئذ، بل كان اميرها عمرو بن سعيد بن العاص، ولم يحمل إليه الرأس، وإنما كتب إليه عبيد الله بن زياد يبشره بقتل الحسين عليه السلام الخ.."[17] انتهى.

واعتراض ابن ابي الحديد على عبارة "وهو يومئذ أميرها" صحيح، فإن مروان لم يكن حينئذ امير المدينة. ولكن ذلك لا يمنع من ان يكون مروان قد فعل ذلك مع راس الحسين حينما ارسل إلى المدينة.. ولا نستبعد أن تكون كلمة – وهو يومئذ أميرها – قد زيدت عمداً من أولئك الرواة الذين يغارون على مروان، ويعطفون عليه، بهدف إيجاد ما يوجب التشكيك في صدور هذا الأمر المشين منه.

ولكن إشكال ابن أبي الحديد بأن الرأس لم يرسل أصلاً إلى المدينة وإنما ارسل عبيد الله بن زياد يبشر بقتله – هذا الإشكال – في غير محله.. إذ ينص عدد من المؤرخين على أن: " يزيد بعث برأس الحسين إلى عمرو بن سعيد نائب المدينة، فدفنه عند أمه بالبقيع.."[18] ويدل عليه ما تقدم نقله عن البلاذري وابن الجوزي أيضاً. ونقل سبط ابن الجوزي عن جده أنه تعجب من رد يزيد " الرأس (أي رأس الحسين) إلى المدينة وقد تغيرت ريحه وما كان مقصوده إلا الفضيحة، وإظهار رايحة الرأس.."[19].

ونحن.. وإن كنا لا نوافق على دفن الرأس بالمدينة، لكن لا مانع من أن يكون قد حمل إليها بهدف التشفي من آل علي وبني هاشم، ومن الحسين، ومن أهل المدينة أيضاً.. ثم بعد ذلك تسلمه الإمام زين العابدين، ورده إلى كربلاء ودفنه مع الجسد الشريف، حسبما تنص عليه الرواية، وأيده جمع من المؤرخين..

وعلى كل حال.. فإن ما أشكل به ابن أبي الحديد غير وارد، وليس له ما يؤيده بل الشواهد والمؤيدات على خلافه..

وكون مروان آنئذ في المدينة هو الظاهر.. الذي تؤيده النصوص والشواهد التاريخية، ومما يدل عليه بالإضافة إلى كل ما قدمناه.

أنه لما بلغ ابن الزبير قتل الحسين خلع يزيد، وكاتبه أهل المدينة، وقال الناس أما إذا قتل الحسين، فليس ينازع ابن الزبير أحد، فبلغ ذلك يزيد، فحلف ليأتينه في سلسلة فضة ثم أرسل السلسلة مع البريد إلى ابن الزبير، ليبر بيمينه، فمر البريد على مروان وهو بالمدينة، فعلم بامر الرسالة والغل فأنشأ مروان يقول:

فخذها فما هي للعزيز بخطة الخ الأبيات..

وأرسل ولديه عبد الملك وعبد العزيز، ليحضرا جواب ابن الزبير، ويسمعاه الأبيات، الخ القصة[20] الدالة على أن مروان كان بالمدينة عندما خلع أهلها يزيد، بسبب ما انتهى إليهم من نبأ قتل الحسين..

إلى آخر ما هنالك مما لا مجال لنا لتتبعه واستقصائه..

وبعد كل ما قدمناه، فلعلنا لا نجد عناء كبير في الإجابة على حديث قرض مروان للإمام مئة ألف، ليشتري بها الجواري، ويتسرى بها، ويكثر أولاده..

إذ بالإضافة إلى أننا:

1- لا نجد مبرراً لاهتمام مروان بزيادة نسل علي بن الحسين، بل نجد الكثير مما يبرر لنا اهتمامه بخلاف ذلك لاسيما بعد ملاحظة عدائه لعلي بن أبي طالب، الذي حاربه مروان في واقعة الجمل، ولولده الحسين الذي أشار هو على الوليد بقتله، والذي فعل براسه الشريف ما فعل مما تقدمت الإشارة إليه.. وأيضاً لعنه علياً عليه السلام على المنابر إلى غير ذلك مما هو معروف ومشهور..

2- ما قدمناه من أن علي بن الحسين كان يملك من المال ما يكفيه لما هو أعظم من ذلك بكثير، ولا يحتاج إلى الاقتراض من مروان، وأشباه مروان..

ويذكرون أنه اعتق عشرات الألوف من الموالي فلم لا يتسرى ببعض الجواري ؟!

3- إننا لا نجد مبرراً لالتجائه إلى مروان للاقتراض منه لاسيما بعد أن كان في بني هاشم من يستطيع أن يقرض أضعاف ذلك المبلغ، مثل عبد الله بن جعفر، الذي أعطى الفرزدق على موقفه من علي بن الحسين مع هشام وقصيدته المشهورة أربعين ألف دينار حسبما ينص عليه البيهقي[21].. وغير عبد الله بن جعفر من الأثرياء والمتمولين من الهاشميين..

4- إن هذه الرواية لم تعين المال الذي أقرضه إياه مروان هل هو دراهم ؟ أو دنانير ؟ ولعل ذلك لحاجة في نفس الأصمعي قضاها..

5- تنص الرواية على أنه: " أقرضه مئة ألف، فاشترى له السراري الخ.. " فهل ذلك يعني أن علي بن الحسين لم يكن يحسن أن يشتري لنفسه ؟ أم أن الهدف هو إظهار مدى غيرة مروان، وتفانيه في سبيل هذا الأمر، وهو أن يكثر نسل علي بن الحسين ويزداد؟..

6- هل إن التسري لكثرة الولد يحتاج إلى كل هذا المبلغ العظيم؟، مئة ألف لاسيما في تلك الفترة التي كان النقد فيها عزيزاً، والقليل منه يكفي للشيء الكثير؟..

إننا بالإضافة إلى كل ذلك، نود أن نسجل هنا النقاط الثلاث التالية:

أولاً: إن من يتسرى بمئة ألف لابد وأن يبلغ أولاده من الكثرة ما يتناسب مع هذا المبلغ العظيم خمسين، ستين ولداً، فما فوق..

ونحن لا نجد فيما بايدينا من التاريخ ما يدل على بلوغ مجموع نسله عليه السلام ربع، بل خمس هذا المقدار، لأن مجموع نسله سواء قبل المئة ألف، أو بعدها.

يقال: ثمانية[22] .

ويقال: تسعة[23].

ويقال: اثنا عشر[24].

ويقال: أربعة عشر عشرة من الذكور وأربعة من الإناث[25].

ويقال خمسة عشر[26]، وهو أقصى ما هنالك..

ثانياً: إن الأرقام التاريخية تدل على أنه لا يمكن أبداً أن تكون المئة ألف، قد اثرت في زيادة نسله عليه السلام، ولو فرداً واحداً.. فضلاً عن كونها سبباً في كثرة نسله.

إذ أن أربعة من أولاده عليه السلام، وهم الإمام محمد الباقر، والحسين، والحسين الأكبر، وعبد الله[27].. أمهم هي أم عبد الله بنت الإمام الحسن عليه السلام، التي تعترف الرواية نفسها بأن زين العابدين كان قد تزوجها، وولدت له، قبل قضية المئة ألف بل لقد تزوجها قبل واقعة الطف، لأن الباقر كان قد ولد قبل واقعة كربلاء بأكثر من سنتين، كما تدل عليه أقوال كل من تعرض من المؤرخين لولادة الباقر عليه السلام.

وخمسة من ولده عليه السلام، وهم زيد، وسليمان – توفي صغيراً – والحسين الأصغر، والحسن، وعلي[28].. ويضيف إليهم ابن سعد خديجة، وعمر[29].. هؤلاء قد ولدتهم أم ولد، أهداها له المختار بن أبي عبيدة[30]..

فيصير المجموع أحد عشر، كلهم ليسوا من المئة الف التي أقرضه إياها مروان أربعة من بنت الحسن، وسبعة من جارية أهداه إياها المختار، كما قلنا..

ويبقى على أبعد الأقوال بقية الخمسة عشر الذين، ذكرهم بعض في أولاده، لكن يشك كثيراً في أن يكونوا قد ولدوا له عليه السلام... بل يشك في بعض من ذكر آنفاً وعد في أولاده. لاسيما بملاحظة أن عدداً من المؤرخين يقولون بأن عدد أولاده لم يزد على الثمانية أو التسعة.. وبملاحظة تصريح آخرين: بأنه لم يولد لعلي بن الحسين أنثى أصلاً[31].. وبقية من يذكرون إناث كما يظهر من ملاحظة الأسماء التي يوردونها[32] فمن أين كثر نسله عليه السلام بسبب السراري التي اشتراها بمئة ألف مروان؟

وثالثاً: الأصمعي.. معروف بالكذب، وبالانحراف عن علي عليه السلام، وأهل بيته..

وحسبنا أن نذكر شاهداً على ذلك أنه لما قال المتوكل لأبي العيناء بأنهم رموك بالرفض.. اعتذر له أبو العيناء بأمور، منها أنه كيف ذلك وكان الأصمعي أستاذي ؟ [33]

وفي المعجم أن أبا قلابة كان صديقاً للأصمعي وكان أبو قلابة شيعياً، والأصمعي ناصبياً، فلما مات الأصمعي خرج أبو قلابة في جنازته، وهو يقول:

لعن الله أعظماً حملوها                لديار البلى على خشبات

أعظماً تكره النبي وأهل البيت والطيبين والطيبات[34].

وواضح: أن الأصمعي كان يعرف أن العلويين كانوا أخطر المنافسين للحكم العباسي، وأن العباسيين كانوا يحاولون جاهدين تشويه سمعتهم، والحط من مكانتهم وبعد هذا.. فما الذي يمنع الأصمعي من ان ينفس عن حقده، ويطرح بضاعته – الكذب في سوق التزلف للعباسيين، والتقرب لهم بذم خصومهم، ونسبة الأباطيل لهم، إذا علم أن ذلك يروق لأسياده العباسيين ؟

وأخيراً.. فإن ثمة أسئلة كثيرة أخرى تطرح نفسها، بالنسبة لمجموع تلك الافتراءات.. وعلى سبيل المثال، لا الحصر، نقول:

لماذا هذا الاختلاف بين تلك النصوص في مقدار المال الذي كان لآل مروان، عند علي بن الحسين ؟... تارة أربعة آلاف دينار وآخرى ستة آلاف دينار وثالثة: مئة ألف، لم يعرف هل هي من الدنانير، أو من الدراهم...

وأيضاً لماذا هذا الاختلاف في تعيين السبب الذي جعل هذا المال في ذمة علي بن الحسين ؟ ثم الاختلاف في من سامح علياً بالمال ؟ هل هو مروان نفسه ؟ أم هو هشام بن عبد الملك فيما بعد..

وهل سامحه مروان مرتين مرة بالستة آلاف، ومرة بالأربعة ؟... ولماذا لا يضيف إلى ذلك المئة ألف أيضاً فيسامحه بها أيضاً ؟

وكذلك ما هو السبب الذي يدعو مروان لمسامحته بهذا المبلغ الضخم ؟... وهل حديث الستة آلاف والأربعة واحد ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ إلى آخر ما هنالك.

الجواب عن ذلك كله هو: إن المهم هو فقط إثبات أن مروان قد أعطى علي بن الحسين مالاً، وتفضل عليه، وسامحه به.. ولكن لماذا يكون ذلك هو المهم ؟.. وهل ثمة حاجة إلى هذه الافتراءات ؟.. أو ما يبرر هذه الافتعالات ؟

والجواب عن ذلك سهل ويسير.. وهو نعم.. إن ثمة حاجة إلى هذه الافتراءات.. ويوجد الكثير مما يبرر هذه الافتعالات..

ونكتفي نحن بذكر نقاط ثلاث نرى أنها كلها أو بعضاً هي السر الكامن، والباعث القوي على اختلاق مثل هذه الأساطير.. وإن كنا لا نمانع في وجود مبررات أخرى للاختلاق والافتعال، وبالاخص على أئمة أهل البيت عليهم السلام... لكننا نرى أن هذه النقاط الثلاث هي الجديرة بالتسجيل في هذه العجالة:

وهذه النقاط هي:

1- لقد أراد هؤلاء أن يكافئوا علي بن الحسين على اليد التي أسداها لمروان، عندما أخرج هو وسائر بني أمية من المدينة، حينما خلع أهل المدينة يزيد الذي انتقم منهم في وقعة الحرة شر انتقام.. حيث لم يجد مروان أحداً يجير له حرمه غير علي بن الحسين، الذي ضمهم إلى عياله، وآمنهم، وأخرجهم إلى ينبع، أو الطائف[35]..

فاخترعوا هذه الأساطير، لأن مروان كان قد أصبح خليفة، ولا يجوز أن يحسن إليه الآخرون، وبالأخص آل علي، الذين لا يجهل أحد ماضيه معهم.. إلا إذا كافأهم بأحسن من ذلك.

ولهذا نلاحظ أن الزهري، الذي كان منحرفاً عن أمير المؤمنين عليه السلام[36] يحاول أن يسدي خدمة لمروان وآل مروان، فنراه يقول عن علي بن الحسين: إنه كان: " أحبهم ( أي احب الناس ) إلى مروان، وابنه عبد الملك.. "[37].

وليت شعري إذا كان أحب الناس إليهما، فلماذا لا يقنعهما بالكف عن سب جده علي، ولعنه على المنابر ؟ ولماذا مات مروان وهو عدو له كما تقدم عن ابن كثير.

وإذا كانوا يسبون جده على المنابر، فلماذا يقترض منهم، ويتقبل عطاياهم ؟

أم يعقل أنه كان هو راضياً بذلك السب، مقتنعاً به ؟..

2- إنه إذا كان الأمويون يحبون آل علي، ويعطفون عليهم، ويعينونهم بالأموال وغيرها.. فلا يليق بالعلويين أن يقابلوا إحسانهم ذاك بالإساءة..

ومن هنا يوجد المبرر لأي تصرف أموي، يبدو أنه قاس ضد العلويين، حيث لا يبقى ثمة شك في أن العلويين هم الذين يعتدون، ولمثل ذلك العقاب، بل وللأكثر منه يستحقون.. فقتل زيد بن علي بن الحسين، وولده يحيى، بل وحتى قتل الحسين وأهله وصحبه في مذبحة كربلاء.. وحتى لعن علي على المنابر.. كل ذلك وسواه، لا يعود له تلك الفظاعة والبشاعة، التي يراها الناس فيه..

3- كما أنه يصير لبني العباس – الذين يريد الأصمعي واضرابه التزلف لهم – الحق كل الحق في التشنيع على آل علي، أخطر خصومهم لممالأتهم أعداءهم، وأعداء الطالبيين على حد سواء، والتعامل معهم.. وبالأخص عندما يكون الناس قد اقتنعوا بما كان يروّج له العباسيون وأشياعهم من أن خروج العباسيين على الأمويين وقتلهم لهم، إنما هو للأخذ بثارات العلويين... وبالأخص ثارات الحسين، أبي زين العابدين وثارات زيد، ويحيى أبناء زين العابدين، ويرى الناس في مقابل ذلك محبة مروان، وولده عبد الملك له، وتساهل هشام بن عبد الملك معه، وتعامله هو معهم، وعلاقاته بهم..

ويرى الناس أيضاً أن هؤلاء العلويين المتعاملين مع الأمويين، يخرجون على العباسيين، الذين أخذوا بثاراتهم، وانتصروا لهم..

وبعد هذه المعادلات فإن من الطبيعي أن يرتفع العباسيون في نظر الناس إلى أوج العظمة والرفعة والمجد... وقد يلحقونهم بدرجات الأولياء والقديسين... وتنحط في مقابل ذلك – بنفس النسبة – مرتبة أهل البيت عندهم، وتتأكد نفرتهم منهم، ولا ينظرون إليهم بعد ذلك، إلا بعين النقص، والمهانة والازدراء... وتلك هي – ولاشك – إحدى أمنيات العباسيين، بل هي أجلّ أمنياتهم وأغلاها..

ولكن الحقيقة هي أن ذلك كله لم يكن لينطلي على الناس، الذين كانوا يرون عن كثب سيرة العباسيين وسلوكهم اللا إنساني واللا أخلاقي، ويرون في مقابل ذلك سلوك الأئمة، ومواقفهم... فتبخرت كل هذه الأكاذيب، ونسيها الناس، ولم يلتفتوا لها.. وبقيت – فقط – الصورة الحقيقية لهم عليهم السلام، والتي تمثل كل معاني النبل، والنزاهة، والطهر والإباء، وغير ذلك من صفات الإنسان، الإنسان الحق..

28 ربيع الثاني 1396ﻫ - 8 نيسان 1976م.

جعفر مرتضى العاملي


[1] طبقات ابن سعد ج5 ص159، وفي البداية والنهاية لابن كثير ج9 ص351، 352 قريب منه..

[2] البداية والنهاية ج8 ص258.

[3] الصحيح من ابنة عمه الحسن.

[4] البداية والنهاية ج9 ص104، 105.

[5] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص164، وملحقات إحقاق الحق ج11 ص450 عنه.

[6] البداية والنهاية ج8 ص44.

[7] طبقات ابن سعد ج5 ص164، والبداية والنهاية ج9 ص105 وتذكرة الخواص ص237 والأنوار الإلهية ص51، وليراجع أيضاً ملحقات إحقاق الحق ج2 ص69، 70 عن مطالب السؤل ص78، وروض الرياحين ص55، والإتحاف بحب الأشراف ص90، ونور الأبصار ص129، وإسعاف الراغبين هامش نور الأبصار ص240، وحلية الأولياء ج3 ص136 وتاريخ الإسلام للذهبي ج4 ص35 ومشارق الأنوار ص120.

[8] البداية والنهاية ج9 ص105، وملحقات الإحقاق ج12 ص58، 59 عن حلية الأولياء ج3 ص141، وتاريخ الإسلام للذهبي ج4 ص35، وتذكرة الخواص ص341، ومطالب السؤل ص79، والمختار في مناقب الأخيار ص37، ومشارق الأنوار ص120، وإسعاف الراغبين هامش نور الأبصار ص240، ونور الأبصار ص189.

[9] ملحقات إحقاق الحق ج12 ص61، عن تاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص126.

[10] هذه العبارة تنافي أن يكون هذا الكلام من ابن كثير، وتدل على أنه هامش لأحد العلماء تخيله النساخ من الأصل، فأدرجوه فيه. ويدل على ما ذكرنا أنه قد كتب في الهامش أن هذه العبارة كلها ليست في جميع النسخ، بل هي زيادة من المصرية.

[11] البداية والنهاية ج9 ص352.

[12] راجع: الخطبة، وتفصيل ما جرى في المسجد في مقتل الحسين للخوارزمي ص69 فما بعدها والبحار ج45 ص138-139 وملحقات إحقاق الحق ج12 ص127 فما بعدها عن الخوارزمي ومقتل الحسين للمقرم ص442 عنه، وعن نفس المهموم 242، وأشار إليها في مقاتل الطالبيين ص121.

[13] تاريخ الخلفاء ص208.

[14] الإصابة ج3 ص378.

[15] تذكرة الخواص ص266 وقاموس الرجال ج8 ص464 عنه.

[16] مثير الأحزان لابن نما ص75 والبحار ج45 ص124، ورياض الأحزان ص59، ومقتل الحسين للمقرم ص447 عنهما وذكر في تذكرة الخواص ص266 البيت الأول فقط وهو ضربت دوسر الخ...

[17] شرح النهج للمعتزلي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ج4 ص71، 72.

[18] البداية والنهاية ج8 ص204 ومآثر الانافة ج1 ص119 وطبقات ابن سعد ج5 ص176 وتذكرة الخواص وغير ذلك.


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=110
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 02 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18