• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : النتاجات العلمية والفكرية .
              • القسم الفرعي : تقريظات ومقدمات كتب .
                    • الموضوع : التاريخ لزيد الشهيد وحركته الجهادية .

التاريخ لزيد الشهيد وحركته الجهادية

مقدمة لكتاب حول (زيد الشهيد) للأخ الكريم الفاضل الشيخ محمد رحمتي


 بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
التاريخ المتداول للشخصيات:        
لقد عودنا الكتاب والباحثون في تاريخهم لحياة الشخصيات الفاعلة، والمؤثرة في حياة الأمم والشعوب: اعتماد طريقة ومنهج الدخول إلى حياة الأشخاص من نافذة الأحداث، والظواهر التي تعكس مزاياهم وخصائصهم كأفرادٍ متميزين، وشخصيات فذة ونادرة، تستحق أن تكون موضع إعجاب وتقدير، ومن ثم أسوة وقدوة. أو أن تكون مثيرة للفضول، وللعجب والاستغراب، ومن ثم موضع تأملٍ وفكر وعبرة.
وإذا ما تجاوز بعض الباحثين هذا المنحى، فهو لا يتعدى التاريخ لأحداث صنعتها تلك الشخصيات، أو أثرت فيها، وقصارى جهده أن يعمد إلى تفسيرها وتحليلها من خلال بعض ما اكتشفه من عوامل وظروف، ثم ما عرفه لها من نتائج وآثار، قريبة وظاهرة في كثير من الأحيان.
ولم يكن ثمة استثناء في ما يرتبط بالتاريخ لشخصية زيد الشهيد رضوان الله تعالى عليه، ابن الإمام زين العابدين عليه الصلاة والسلام.
فلقد عودنا الكتاب والباحثون أيضاً معالجة حياته رضوان الله تعالى عليه، من خلال مظاهر البطولة النادرة، والتضحية والفداء الخالص، الذي تجلى في شخصيته، مع التركيز على ما له من خصائص، ومزايا أخلاقية فاضلة، وصفاتٍ حميدة ونبيلة، تجعله في موقع الشخصية النادرة، والفذة، والمؤهلة لأن تكون أسوة وقدوة، ليكون رقماً آخر يضاف إلى نماذج أخرى فريدة، ومتميزة، حفل التاريخ بكثير منها عبر عصوره المتلاحقة.
تأثيرات هذا المنحى:
وإذا ما أردنا أن نلتفت إلى آثار هذا المنحى في معالجة حياة الأشخاص والعظماء، فلسوف نكتشف أنه قد أسهم ولا يزال في إيجاد الظروف الملائمة لخلق ارتكازٍ عفوي في الوجدان العام، يتبلور في طموحات الناس، وتوجهاتهم، على صعيد الرفض أو الانتماء إلى الأشخاص، وتبني حركتهم، وأسلوبهم، ومواقفهم بالإضافة إلى التخلي عن.. أو التحلي بـ "الخصائص أو المزايا التي يملكونها" ولكن على أساس فردي، يرتبط بالشخصية ذاتها، وبما له من قيود وحدود، تؤكد فيها كيانها المنفصل والمستقبل والمحدود بحدود الزمان والمكان، وغير ذلك.
المنحى الأحرى بالصواب:
ونحن.. وإن كنا نعتقد: أن دارسة أية شخصية، لابد وأن تبدأ من خلال دراسة ما لها من خصائص ومزايا فردية، وكذلك من خلال فهم الأحداث والظواهر، التي تعاملت معها، وأثرت أو تتأثر بها، لأن ذلك أمر حيوي وأساس، ويشكل حجر الزاوية لأي دراسة يمكن أن تكون مفيدة وواقعية، إلا أن من الواضح: أن ذلك ليس هو كل شيء، ولا هو النقطة الأخيرة، التي ينتهي البحث بها وإليها.
بل لابد للدراسة لكي تكون موفقة، وواقعية، وكافية. من أن تقوم على أساس نظرة شمولية، ومستوعبة، ترى في الإنسان مرآة تعكس كل آفاق الحياة ورحابها، وتجمع في حجمها الصغير كل هيكلية الوجود، المترابطة في عين تشتتها، والمجتمعة في عين تفرقها. وهي الصورة التي يرسمها لنا القول المأثور:
وتحسب أنك جرم صغير      * وفيك انطوى العالم الأكبر
ولا بدع في ذلك.. فهذه العين، تستوعب الأشياء المختلفة، وتحتفظ بها، بما لها من خصائص ومزايا، متباينة في ظاهر الأمر، دون أن تستأثر بواحدة منها دون آخر، ولا أن تتصرف في أيٍ منها على حساب غيره.
وواضح: أن ذلك الذي ذكرناه لا يختص بالشخصية التي تجسدت فيها خصائص ومزايا إيجابية، وخيرة، وإنما هو ينسحب على غيرها أيضاً، مادام أن هذا السل إنما يأتي في موضع ذلك الإيجاب، وهذا النفي يكون لعين ذلك الإثبات.
دراسة زيد الشهيد:
وهكذا.. فإن استيعاب وشمولية النظرة في دراسة شخصية زيد، يصبح أمراً لابد منه، ولا غنى عنه، مادام أن شخصيته نفسها تستقطب في ارتباطاتها وتفاعلاتها - كما في أهدافها، وطموحاتها – كل تجليات الحياة، ومظاهر الوجود في الكون الأرحب، الذي أراد الله سبحانه أن يسخره لهذا الإنسان ليتخذ منه وسائله وأدواته، التي تمكنه من أن يبني حياته الهادفة زاخرة بالخير والعطاء، وعامرة بالهدى والبركات.
شخصية زيد بن علي السجاد عليه السلام، ليس لها حدود، يمكن أن تفصلها عما يحيط بها، وإنما، هي انطلاقة النور الغامر، ووجيب حركة الكون العامر، تغمر الكون بالعطاء، وتمده بالهدى، وتفيض عليه الوجود.
ذلك النور، الذي يستغرق كل شيء ويُستغرق فيه كل شيء، ويثيره، ويتفاعل معه، في حيوية وبهاء، وفي حنان، وصفاء.
إن شخصية زيد بن علي ـ الذي هو قبس من جده الحسين، ومشكاة من والده السجاد عليهما السلام ـ لابد، وأن تدرس على أساس أنها ومضة النور الإلهي الدافق، الذي تشرق به حنايا الوجود لتثير فيه كوامنه. ويختزن في داخله النموذج الحي للتجربة الواقعية للإسلام الصافي، بكل مفاهيمه، وتعاليمه، وأهدافه، ومراميه، في نطاق الإدارة الإلهية، التي تؤهل هذا الإنسان لحمل الأمانة، بعد ان يصبح نموذجاً للإنسان الذي يملك خصائصه الإنسانية الحقيقية، ليعيش إنسانيته في نطاق الامتداد الواقعي للحياة الحقيقية والباقية، بعد تخليصه من كل مظاهر الزيف، والتمويه، وإزاحة الحجب، وإزالة كل الموانع والعراقيل، التي تعترض سبيل تفاعله مع الحياة بصورة واقعية وحقيقية، وبكل ما يملك من طاقات ووسائل. وإن الدار الآخرة لهي الحيوان.
ثورة أم حركة جهادية:
ومن هنا: فإننا إذا أردنا تقييم حركة زيد في خروجه في وجه الحكم الأموي الظالم والمنحرف. لابد وأن نسجل:
أنه في حين يصح أن نطلق على بعض الحركات اسم "الثورة"، فإن حركة زيد هذه تأبى إباءً شديداً عن أن تدخل في نطاق هذه الكلمة، كلمة "ثورة"، أو أن تخضع لمعاييرها.
وإنما التعبير الأدق، الذي يستطيع أن يستوعب معانيها ودلالاتها، بملاحظة ما لها من بعدٍ إيماني عميق، كان له التأثير المباشر والفاعل على ما لها من مرامٍ وأهداف – إن التعبير الأدق هو أنها: "حركة جهادية". تتصل بالله، وتنتهي إليه، وتنطلق من وعي عميق، تجذر في ضمير حي، لإنسان عرف معنى الحرية والعبودية، ومارسهما، فكراً، وإيماناً، وسلوكاً، وموقفاً، حينما تحول هذا الوعي إلى طاقة، تفجرت بركاناً، يحرق كل مظاهر الزيف والتمويه، ويلتهم كل زبارج الباطل وبهارجه، ليحولها إلى رماد اسود تذروه الرياح.
نعم.. إنها الحرية الكاملة التي تحفظه من ان يستذله عاتٍ وجبار، أو أن تقهره رغبة. أو شهوة. إلى جانبها العبودية لله، ولله وحده لا شريك له، والخضوع له والفناء فيه
فحركة زيد ليست ثورة، وإنما هي جهاد، وشتان ما بين الجهاد والثورة، فإن بينهما فروقاً كبيرة وكثيرة، مادام أن الجهاد ـ وليس الثورة ـ باب من أبواب الجنة، فتح الله لخاصة أوليائه، دون كل من سواهم، ولابد فيه بعد إحراز الركائز الأساسية للإيمان واليقين، من أن ينطلق من ساحة وواحة الرضا الإلهي، إلى آفاقه الرحبة، التي لا يرى فيها سوى الله سبحانه، والله وحده، ولتكون الإرادة الإلهية هي التي تهيمن على كل حركة، وتفرض نفسها على كل موقف، وتتجسد على كل صعيد.
وأنى للثورة أن تكون كذلك، سواء في أهدافها، ودوافعها، أو في أي من مراحلها المختلفة، أو في أسلوب عملها، وسائر ما يرتبط بها، أو ينتهي إليها.
وهذا موضوع هام ودقيق، لابد من التوفر عليه، تنقيحاً، وتوضيحاً في فرصة أخرى، نسأل الله سبحانه أن يتيحها لنا، بمنه وكرمه، إن شاء الله تعالى.
هذا الكتاب:
وبالنسبة لهذا الكتاب الذي بين يدي القارئ، والذي تكفل بمعالجة حياة زيد الشهيد رضوان الله تعالى عليه، من خلال الأحداث التي عايشها، أو عالجها، أو كان له تأثير مباشر فيها. فإننا ـ بملاحظة ما قدمناه ـ لا نريد أن ندعي: أن مؤلفه الأخ حجة الإسلام الشيخ محمد رحمتي، قد استوعب فيه كل الظروف، وجميع ما يمس حياة زيد الشهيد، أو يؤثر في حركته الجهادية، فلربما يكون قد فاته شيء من هذا، أو من ذاك، فإن ذلك أمر طبيعي بالنسبة لأمر مترامي الأطراف، ومتشعب، ومتداخل مع كثير من الحالات والظروف، والمؤثرات القريبة والبعيدة على حد سواء.
كما أننا لا نريد أن نقول: إننا نوافق المؤلف في كل ما أورده فيه حرفاً فحرفاً، وكلمة كلمة. فقد نختلف معه في الرأي أحياناً في بعض النقاط التي نرى أن له ـ كما لكل باحث ومؤلف ـ في أن يقدم نظرياته واستنتاجاته، من دون أن يتأثر بموافقة هذا، أو مخالفة ذاك.
وذلك هو ما يؤكد قيمة الكتاب، ويستدعي تقديرنا واحترامنا للآراء التي وردت فيه.
ولكننا نقول: أن النجاح كل النجاح، إنما يتجلى حين يرسم الإنسان لنفسه هدفاً، أو خطة، ثم تؤتى جهوده ثمارها بالوصول إلى ذلك الهدف، وبالعمل وفق تلك الخطة المرسومة.
ولأجل ذلك، فإن: هذا الكتاب لابد وأن يعتبر محاولة ناجحة، مادام أنها لم يقصر عن الوفاء بالمهمة، وتحقيق الغاية، والهدف، الذي بذلت من أجله المحاولة وعلى أساسه كان العمل.
هذا.. بالإضافة إلى أنه يقدم مادة تكاد تكون مستوعبة للأحداث التي احتفظ لنا بها التاريخ حول شخصية زيد وحركته الجهادية المباركة، مع تحليل واع وهادف، يتناسب مع المستوى الذي لوحظ في الكتاب، ورسم على أساسه.
أما أسلوب الكتاب، فهو على العموم واضح وهادئ تتجلى فيه لمحات جمالية ترتاح لها النفس، ويتطلبها الذوق ولا يرهق القارئ بتراكيب معقدة تستنفذ طاقته، وتستأثر بتوجهاته، ولتؤثر على مستوى استفادته من المحتوى الذي يراد له ان يصل إليه، ويحصل عليه.
فلمؤلف الكتاب حبنا ولجهد المشكور الذي بذله تقديرنا، ونسأل الله تعالى له التوفيق والسداد.
والحمد لله وصلاته على عباده الذين اصطفى.
3 / شهر رمضان المبارك سنة 1408ﻫ.ق
جعفر مرتضى العاملي

  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=276
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 05 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28