• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : الأسئلة العقائدية .
                    • الموضوع : ما حقيقة النور الإلهي؟! .

ما حقيقة النور الإلهي؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته..

عندي سؤال، وأرجو الإجابة بحق فاطمة الزهراء «عليها السلام»:

قرأت عدة كتب، ومنها كتب أتباع ابن تيمية، وبقيت عندي حيرة في صفة الله تعالى. يعني عندما نقرأ: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، أو ﴿نور على نور﴾(1)..

فهل يعني ذلك: أن الله سبحانه وتعالى من نور؟!

يعني حقيقة طبيعته من نور؟! نحن نعلم: أنه لا يحوي لا عظم ولا لحم وغيره .. ولكن أريد أن أفهم كيف هو؟! هل يمكن ذلك؟!

أفيدونا، وجزاكم الله خيراً، لأني تعبت حقيقة، وقرأت كتباً، ومنها الإلهيات للشيخ جعفر السبحاني، وللآن لم أتوصل إلى النتيجة.


الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

وبعد..

فليس المراد بأن الله تعالى نور، أنه سبحانه من نور كهذا النور الذي ينبعث من الشمس، أو من المصباح الكهربائي، أو من النار المتوقدة، والذي له مدى ووزن، وضعف وقوة، وتعرض له حالات مختلفة، ونستطيع أن نتحكم به وننقله من مكان إلى مكان . ويحتاج إلى المكان، والفضاء، وما إلى ذلك..

ولكن الله تعالى إنما يخاطب الناس بالبيانات التي يعرفونها ويألفونها، ويستعمل المجازات، والإستعارات، والكنايات، وكل طاقات اللغة العربية لتقريب المعاني إلى أذهانهم، فإذا أراد تعالى أن يعرفهم أنه هو المنعم والمعطي الذي لا حدود لعطائه يقول لهم: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاء﴾(2)، مع أنه تعالى ليس جسماً، وليس له يد ولا رجل، ولا أية جارحة من الجوارح. وإذا أراد أن يفهمهم أنه هو الذي يتصرف في الموجودات كلها يقول: ﴿بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(3).

وإذا أراد أن يظهر همينته وسيطرته علي كل شيء يقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾(4). وإذا أراد أن يذكر لنا معنى القاهرية يقول: ﴿يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾(5). أي أنه تعالى يستعمل التعابير والمجازات والإستعارات التي يستعملها الناس، فترى الشاعر يقول في مقام الدلالة على الهيمنة والسلطة على البلاد والعباد، وأنه أصبح ملكاً عليهم وعليها..

قـد اسـتوى بشــر عـلى العـــراق                    مــن دون حــرب أو دم مهــراق

مع أن الملك قد لا يجلس على العرش في أكثر أوقاته، بل يجلس على الأرض، أو ينام، أو يذهب ويجيء وما إلى ذلك.

ويقول القائل: أقام الدنيا ولم يقعدها.. مع أنه لم يقم ولم يقعد شيئاً ولا أحداً، بل المراد الدلالة على شدة غضبه وانفعاله من أمر بعينه.

ويقول القائل أيضاً: قامت الحرب على قدم وساق.. كناية عن هيجانها وشدتها.

ويقول تعالى عن يوم القيامة: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾(6). كناية عن شدة أهوال ذلك اليوم.

وقال تعالى عن هذا القرآن: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾(7). لأنه يكشف لنا الحقائق، ويهدينا إلى طريق الحق، وإلى صراط مستقيم، ويقول: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّه﴾(8).

فبين تعالى ان هذا الدين نور من الله تعالى.. والله عز وجل هو الذي يظهر السموات والأرض، ويظهر حقائقهما وأسرارهما، فهو بمثابة النور الذي يكشف ويظهر الأشياء.

وقد جاء التعبير أيضاً عن العقل بأنه نور. ويقال أيضاً: نور البصيرة، لأن العقل والبصيرة سبب في كشف الحقائق وإظهارها.

ويقال للشجاع: أسد، وللمرأة الجميلة: أنها شمس أو قمر، وللعالم المرشد والهادي: أنه مشعل هداية، وروي عن النبي «صلى الله عليه وآله» أنه قال: إن الحسين مصباح هدى، وسفينة نجاة.. وأمثال ذلك كثير لا يمكن حصره.

وإنما يذكر تعالى نفسه وصفاته، وصفات أفعاله بهذه الإستعارات والكنايات والمجازات لعجز العقل البشري عن إدراك كنهه تبارك وتعالى.. فيعرِّفه نفسه، ولو بهذا المقدار.

والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..

جعفر مرتضى العاملي..


(1) الآية 35 من سورة النور.

(2) الآية 64 من سورة المائدة.

(3) الآية 1 من سورة الملك.

(4) الآية 5 من سورة طه.

(5) الآية 10 من سورة الفتح.

(6) الآية 42 من سورة القلم.

(7) الآية 174 من سورة النساء.

(8) الآية 22 من سورة الزمر.


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=333
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18