بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي دام ظله.
السلام عليكم..
نرجو أن لا نزاحمكم بأسئلتنا هذه ولكن كما تعلمون فهناك إشكالات وتساؤلات تتداول من وقت لآخر بحسب المناسبات على المنابر وفي الجلسات الخاصة بين طلبة العلم وغيرهم من الناس, وهذا يستدعي الإجابة عليها ولا نعلم متصدياً تتوفر فيهِ مؤهلات الرد على مثل هذه الموضوعات غيركم. فالرجاء أن تأخذونا بحلمكم وسعة صدركم.
1ـ ورد في بعض المصادر إن الإمام الحسين × بكى على أعدائه يوم عاشوراء واعترض بعض الإخوة بأن ذلك يخالف ما ورد في القرآن الكريم بالنسبة لإقامة الحد على الزاني والزانية من النهي عن أن تأخذنا بهم رأفة في دين الله.
وبناء عليه هل يمكن أن تأخذ الإمام الحسين × الرأفة على أعداء الله فيبكي عليهم، ويهرق دماءهم في نفس الوقت؟
نرجو إعطاءنا رأيكم المبارك في كل ما يتعلق بهذا السؤال؟
2ـ ورد في بعض المصادر كمنتخب الطريحي ص 451 وذريعة النجاة ص 135 الخصائص الحسينية إن الإمام الحسين ×قال لأعدائهِ: (الآن اسقوني قطرة من الماء فقد تفتت كبدي) واعترض بعض الإخوة على ذلك بأنه لا يعقل للإمام الحسين ×صاحب الغيرة والحمية والأنفة أن يستجدي ويستعطي - حسب تعبيره ـ من عدوه جرعةً من الماء فضلاً عن القطرة.
نرجو إعطاءنا رأيكم المبارك في كل ما يتعلق بهذا السؤال؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..
الأخ الكريم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
1ـ بالنسبة للسؤال الأول عن بكاء الإمام الحسين × على قاتليه يوم عاشوراء، نقول:
أ ـ إن الإمام الحسين ×، فرع من الدوحة النبوية المباركة، وقد خاطب القرآن النبي الكريم، فقال له: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}([1]).
وقال له: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}([2]).
وقال تعالى: {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}([3]).
وقد كان رسول الله ’، يحاربهم ويقتل فراعنتهم ولكنه يتحسر أيضاً على عدم قبولهم للحق وللدين..
وهناك آيات عديدة أخرى تشير إلى هذا المعنى..
فلا غرو إذا اقتدى الحسين × بجده صلوات الله وسلامه عليه وآله..
ب ـ إن هناك فرقاً بين الأسف على الإنسان الذي يتخذ طريق الكفر والجريمة، وتمني أن لو كان قد اهتدى والتزم طريق الحق.. وبين الرأفة بالمجرم التي تعني حب التخفيف من عقوبته، الذي يعني تضييع الحق، وعدم إجراء أحكام الله سبحانه على حدها..
ولأجل ذلك جاء التقييد بقوله: {فِي دِينِ اللهِ}([4]) إذ أن الرأفة في الدين هي الرقة، والتنزل من الدرجة المطلوبة إلى درجة أخف منها، ولازم ذلك هو التساهل في إجراء الأحكام.
ولم يكن الإمام الحسين × يقيم الحد على أعدائه، ولا كان يحب تخفيف العذاب عنهم في الآخرة، بل كان يتمنى لهم الهداية ويتحسر عليهم لاتخاذهم طريق الضلال والجريمة..
وأما بعد ارتكابهم الجريمة وهتك الحرمات الإلهية، فلم يكن الإمام الحسين × ليهتم بتخفيف العقوبة عنهم.
2ـ بالنسبة للجواب عن السؤال الثاني نقول: إن فهم استسقاء الحسين على أساس أنه استجداء، غير دقيق.. وذلك لما يلي:
أولاً: لوجود وجوه أخرى تظهر قرائن الأحوال أنها هي المقصودة، ونذكر منها ما يلي:
أ ـ إنه ×، كان يريد أن يقيم الحجة عليهم وعلينا، حتى في مثل هذه اللحظات، لكي لا يحتمل أحد أنهم في زحمة الأحداث قد غفلوا عن هذا الأمر، أو ذهلوا عنه.
فيكون × بذلك قد نبه الغافل منهم ـ إن كان ـ ويكون قد عرّفنا بأنهم يأتون ما يأتونه عن سابق تصميم، وعلم ودراية، وأنهم غير معذورين أبداً في شيء من ذلك..
ب ـ إنه ×، يريد أن يعرفنا مدى مظلوميته مع أناس يبكي ويتحسر عليهم حتى وهم يقتلونه.
ثانياً: إن طلبه شربة الماء هو الحق الطبيعي له، فهل من يطالب بحقه يكون مستجدياً؟! فكيف إذا كان حقه هذا قد حفظته له الشريعة، وأكدته له الأعراف، وفوق ذلك كله، إنه حق الإمامة، وحقه الإنساني..
ثالثاً: إنه لا بد له من أن يستنفد جميع الوسائل التي ربما تفيد في هداية بعض من بقي في قلبه ذرة من عاطفة، وبقية من إنصاف، وحد أدنى من إنسانية.. لأنه مسؤول عن هداية الناس كلهم، ولا بد أن يفتح لهم أبواب الهداية.
وهذا النداء الإنساني المتوافق مع المشاعر، والمنسجم مع الأعراف والمتناغم مع الفطرة هو أحد هذه الأبواب..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..
جعفر مرتضى الحسيني العاملي
([2]) سورة الشعراء الآية3.
|