• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : النتاجات العلمية والفكرية .
              • القسم الفرعي : تقريظات ومقدمات كتب .
                    • الموضوع : الترجمة والتعريب .

الترجمة والتعريب

تقديم لمقدمة السيد هاشم الميلاني لكتاب منتهى الآمال.


 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.

تقديم:

إن من البديهي: أن الناس كما يختلفون في طبائعهم، وفي سلائقهم، فإنهم يختلفون ويتفاوتون أيضاً في أمور أخرى. فالتنوع والاختلاف ظاهر في التوجهات والطموحات، ثم يتبلور ذلك بصورة وبأخرى ولو جزئياً على شكل بوادر ولمحات في كثير من المفاهيم والتصورات. ثم في مجال الممارسة وتسجيل الموقف.

ولكن هذا التنوع يترافق مع وجود قواسم مشتركة تهيمن على المسار العام، وتتحكم فيه. وإليها يرجع الغالي، وبها يلحق التالي.

التنوع في المجالات كافة:

وطبيعي أن يتجلى هذا التنوع والاختلاف ـ إن صح التعبير ـ بصورة إيجابية، وبناءة، وحتى خلاقة في مجالات كثيرة على شكل صور وجودية حية، فيها الكثير من الإبداع والجمال. وتحمل في حناياها لمحات ولفتات، تعتصر منا دون اختيار المزيد من الإعجاب بها، بل الانبهار المحيّر في أحيان كثيرة.

ثم هي تسهم ـ شئنا أو أبينا ـ في إثراء الفكر، وفي صقله، ثم في بلورة الملامح الجمالية وصياغتها، وتعطيها المزيد من النقاء والصفاء، حتى لتصبح قادرة على أن تعكس نفسها في مرآة الفطرة والوجدان، بكل ما لديها من طاقات وقدرات في نطاق التنوع والخلاقية في أبعد مدى لهما.

 حتى العلوم النقلية:

ولا يمكننا استثناء المجالات الثقافية، وتدوين العلوم والمعارف، حتى ما كان منها بصورة تقريرية من هذه الظاهرة؛ فإن ذلك ينسحب حتى على علوم الحديث، والسيرة، والتراجم والتاريخ أيضاً؛ لأن اختلاف السلائق فيها قد ترك له آثاراً بارزة على وعينا لها، من أنه قد هيأ المناخات لإبراز حقائق، وتأكيد ملامح متنوعة وأساسية، قد أفادت الباحثين كثيراً، حينما فتحت لهم آفاقاً رحبة، زاخرة وزاهرة. ومرصعة بالكثير الكثير من الدرر النادرة والفاخرة.

 ضرورة الانفتاح على تراث الآخرين:

وما تقدم يؤكد لنا ضرورة الانفتاح على كل التراث الفكري لسائر الشعوب والأمم، للوقوف على تجاربهم، والإفادة من منجزاتهم في إثراء الفكر الإنساني، وبلورة التجربة الحضارية، مادام أن ذلك يفتح أمام الإنسان

آفاقاً جديدة ويسهل له الحصول على وسائل وأدوات لو انضمت إلى ما لديه، لجعلته أكثر فاعلية، وأبعد أثراً في الهيمنة على نواميس الحياة، وتذليل صعوباتها، والتمكن من قدراتها، مهما اختلفت وتنوعت.

الترجمة وسيلة:

وإذا كان حاجز اللغة هو أول ما يواجه الإنسان في حركته نحو الوصول إلى ذلك والحصول عليه، فإن الوسيلة الطبيعية والمعقولة هي استخدام أسلوب الترجمة للفكر المدون لأمة من الناس، إلى اللغات الحية الأخرى التي تنطق بها سائر الأمم.

حيث إن ذلك من شأنه أن يتيح الفرصة لأكبر عدد من الناس، للاطلاع على ما توصل إليه الآخرون، والوقوف على منجزاتهم الحضارية، ثم على خصائصهم الفكرية، والحياتية على اختلافها.

فمؤسسات الترجمة تصبح إذن ضرورة لابد منها، ولا غنى عنها لأية أمة تريد أن تخرج من حالة الجمود والانغلاق، والتقوقع، لتنطلق في مسيرتها الحياتية التكاملية، بقوة وثبات.

لأن ذلك يجعل هذه الأمة قادرة على أن ترفد فكرها، وثقافتها، وحركتها بصورة مستمرة ودائبة, وسيزيدها ذلك قوة، وحيوية، وتجذراً وأصالة، ورسوخاً.

 الأمانة والدقة:

وعلى هذا الأساس اهتم العلماء بالترجمة، ثم اهتموا أن تكون الترجمة لأي مضمون تحتوي لشروط أساسية، هي:

1ـ الدقة .        

2ـ الأمانة.       

3ـ الصفاء.      

4ـ الوضوح.

حيث يفترض أن يصبح ذلك المضمون، ولو في نطاقه الخاص ركيزة في موقع لا يحتله سواه في مجمل التكوين الفكري، أو النفسي، أو الحضاري للأمة.

ولابد من التأكد من سلامة تلك الركيزة، ومن ثباتها، وقوتها، وصلابتها؛ إذ بدون ذلك يحدث الخلل، وتتسرب العاهات من هنا وهناك؛ لتشكل عثرات تؤلم وتدمي، وشراكاً بل شباكاً تعيق، أو سهاماً تصيب؛ فتصمي.

مشكلة الجمال والطراوة:

ولا نريد هنا: أن نتجاهل ما يقرره الكثيرون من أن للترجمة من لغة إلى لغة أخرى، سلبية تحرج من يتصدى لهذه المهمة، ويفترض فيه أن يتحمل مسؤولية ما يقدمه من نتاج، وما يبذله من جهد.

وهذه السلبية هي: أن عملية الترجمة تحدث نوعاً من الخلل في الأسلوب البياني، وتوجب التدني والانحطاط في مستوى الأداء. بالإضافة إلى ظاهرة التفكك والشتات في الناحية التعبيرية، الأمر الذي يفقد الترجمة قسطاً وافراً من الجمالية والطراوة، التي كانت للنص الأول والأساس.

فيحدث لدى المترجم نتيجة لذلك تجاذب مثير فيما بين الرغبة بالحفاظ على الناحية الجمالية، والاحتفاظ بطراوة التعبير وعذوبته، وبين ما يفرضه واقع الالتزام بأصول الترجمة ومبانيها.

فجاء الأسلوب التوفيقي ليقترح قدراً من التحرر من الناحية التعبيرية والبيانية، بحيث يتم التخلي عن الناحية الأسلوبية والتعبيرية لصالح الاحتفاظ بروح المعنى، وأصله بصورة عامة.

وقد كان لهذا الأسلوب أنصاره والمدافعون عنه، ومعارضوه والمنتقدون له.

وربما بدا للبعض: أنه ليس ثمة خيار إلا اختيار أحد الطريقين، والتخلي عن الآخر، فإما الدقة والحرفية من دون أسلوب، وإما الأسلوب والتعبير، دون أن يكون ثمة دقة في البيان والأداء.

 ليس ثمة مشكلة حقيقية:

غير أن الذي يبدو لنا هو: أنه ليس ثمة مشكلة حقيقية، تستعصي على الحل، إذا أخذنا بنظر الاعتبار: أن لكل لغة خصائصها ومميزاتها، التي لو روعيت لأمكن تلافي كثير مما يقف هؤلاء وأولئك عنده.

فمثلاً، إذا كان من خصائص لغة ما: أن يتأخر الفعل ويتقدم المفعول، فلا يجب مراعاة ذلك حين النقل إلى لغة أخرى، ليس من خصائصها ذلك، بل يجري فيه وفق الأصول والضوابط المرعية في اللغة المنقول إليها.

وكذا الحال لو كان تقديم كلمة يفيد تخصيصاً، أو تعظيماً، أو تحقيراً في لغةٍ، وكان ما يفيد ذلك في لغة أخرى نحو آخر من البيان، فلابد من التزام ضوابط اللغة المنقول إليها للاحتفاظ بتلك الخصوصية بالذات.

وما ذلك إلا لأن الألفاظ قوالب للمعاني، سواء في ذلك المفردات، أو التراكيب في خصائصها المختلفة. فلابد من صب تلك المعاني في قوالبها  بالطريقة التي تحفظ لنا المعاني المقصودة دون تفريط في النواحي الجمالية، ولا إضرار بمستوى الطراوة في الأسلوب، والعذوبة والرصانة في البيان.

المؤسسة الإسلامية للترجمة:

وحين نريد أن نتحدث عن «المؤسسة الإسلامية للترجمة» فإننا يمكن أن نقول:

إنها حركة واعية ومسؤولة، في نطاق إثراء الفكر الإسلامي، وخطوة سديدة على طريق تحقيق الهدف الأقصى ببناء الصرح الثقافي والحضاري الشامخ والعتيد.

وقد اختارت كتاب «منتهى الآمال» ليكون باكورة أعمالها، وهو تأليف عالم جليل، ومحدث خبير وقدير، عرفت تآليفه بالمتانة والرصانة، إلى جانب عذوبة في التعبير، وسهولة في التقسيم والتبويب، ثم هو يقدم لقارئه مطالب مختارة ومنتقاة ؛ تظهر ما لدى المؤلف من ذوق رفيع، ومن صفاء قريحة، وسلامة سليقة.

وحين لاحظت بعض صفحات ترجمة هذا الكتاب للأخ الكريم الفاضل، والألمعي الكامل السيد هاشم مرتضى الميلاني، وجدتها على درجة مقبولة من الوضوح والسهولة، وقد روعيت فيها الأمانة والرصانة إلى درجة تعبر عن الجهد المشكور الذي بذلته هذه المؤسسة لإنجاز هذا الكتاب القيِّم.

فشكر الله سعي المترجم، وسعي القائمين على هذه المؤسسة، والعاملين فيها، والمنتسبين إليها، ووفقهم وسددهم لما هو أهم، ونفعه أتم وأعم.

والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى، محمد وآله الطاهرين.

قم المشرفة ـ ليلة الثلاثاء 4 شهر رمضان المبارك سنة 1414ﻫـ.ق.

جعفر مرتضى العاملي


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=269
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 04 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19