• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : الأسئلة الفقهية .
                    • الموضوع : الاختلافات حول الصوم .

الاختلافات حول الصوم

السؤال(464):

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

سماحة العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

ونحن في شهر رمضان المعظم، ما هي أبرز الاختلافات في الصوم والإفطار بين المسلمين الشيعة والسنة؟

 

 الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

إن أبرز الاختلافات في هذا المجال إنما هي في بعض التفاصيل، لعل أبرز ما يظهر منها في الواقع العملي أمران:

أحدهما: مسألة وقت الإفطار..

الثاني: مسألة العيد، وثبوت الهلال..

فأما بالنسبة للمسألة الأولى: أعني مسألة الإفطار. فيمكن تلخيصه على النحو التالي:

إن المسلمين السنة يبادرون إلى الإفطار بمجرد رؤيتهم للشمس وقد غربت.

أما المسلمون الشيعة، فيؤخرون إفطارهم عن هذا الوقت مقدار اثنتي عشرة دقيقة، أي إلى حين إقبال الليل من جهة المشرق، وذلك بذهاب أو ارتفاع الحمرة المشرقية..

والحقيقة هي أن الخلاف بين الفريقين ليس جوهرياً، بل هو خلاف تطبيقي لأمر متسالم عليه فيما بينهم..

وذلك لأن الجميع متفقون على أن الواجب هو إتمام الصيام إلى الليل، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}..[1]

ولكن الخلاف إنما هو في تحديد هذا الليل الذي هو غاية الصوم.

فالمسلمون الشيعة يرون:

أولاً: أن الله سبحانه قد قال: {إِلَى الَّليْلِ}.. ولم يقل إلى غروب الشمس.

ويقولون ثانياً: إن الروايات أيضاً قد صرحت بأن دخول الليل، إنما هو بذهاب الحمرة المشرقية.

فقد روى ابن أبي شيبة، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: إذا أقبل الليل من ههنا، وأدبر النهار من ههنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم..[2]

وفي نص آخر لم يذكر كلمة: «غربت الشمس».

وعن ابن أبي أوفى عنه صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم..[3]

وأخرج الحاكم، وصححه، عن أبي أمامة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله: في حديث ذكر فيه: أنه صلى الله عليه وآله سمع عواء أهل النار، ثم رآهم «معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً..

قلت: من هؤلاء؟

قال: (أي جبرئيل) هؤلاء الذي يفطرون قبل تحلة صومهم»..[4]

وقال أهل السنة: إن إقبال الليل من جهة المشرق ما هو إلا تعبير عن ارتفاع الحمرة المشرقية، أو زوالها. وهذا هو عين ما يقوله المسلمون الشيعة..

كما أن حديث أبي أمامة، لابد أن يقصد به إدانة المبادرة إلى الإفطار بمجرد غروب الشمس، دون الانتظار إلى زوال الحمرة المشرقية أو ارتفاعها على الأقل.. إذ لا معنى لأن يقصد به من يصوم النهار كله، ثم يبادر للإفطار قبل غروب الشمس، فإن من يلتزم بالصوم ويتدين به لا يفطر قبل غروب الشمس قطعاً..

غير أن هناك من ذكر أن المراد من حديث: إذا أقبل الليل من ههنا (وأشار إلى المشرق) هو الحالة التي يكون فيها غيم مثلاً..[5]

ولكن من الواضح: أن الحديث لم يصرح بهذا القيد، بل أطلق الكلام، فلا مجال للمصير إليه إلا بدليل..

وذكر الترمذي: أن المراد بالحديث المشار إليه: أن أحد هذه العلامات يكفي لمعرفة دخول الليل، وهي إقبال الليل، وإدبار النهار، وغروب الشمس..[6]

ولكنهم ـ المسلمين الشيعة ـ يجيبون بأنه لو كان هذا هو المراد، فقد كان الأنسب أن يكون التعبير بكلمة «أو» بدلاً عن الواو..

على أن النص الذي يتحدث عنه الترمذي غير سليم عن المناقشة، فإن إدبار النهار من جهة المغرب هو نفسه غروب الشمس، وليس ثمة حالة أخرى، ولا يدور الأمر بين ثلاث علامات، ولأجل ذلك قالوا: إن النص الأوضح والأصرح هو ذلك الذي اقتصر على اثنتين منها، وهي مروية في الصحاح أيضاً..

ولأجل ذلك فهم يؤيدون ويصححون ما قاله القاضي عياض، من أنه صلى الله عليه وآله قد ذكر الإقبال والإدبار معاً، لإمكان وجود أحدهما مع عدم تحقق الغروب..[7]

وقال المسلمون الشيعة أيضاً: إن المقصود بحديث سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «لا يزال الناس بخير، ما عجلوا الفطر»..[8]

وبحديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله: «لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، إن اليهود والنصارى يؤخرون»..[9]

إن المقصود بهذين الحديثين بعد غض النظر عن المناقشة في متن هذا الثاني من حيث صحة أو عدم صحة ما نسبه إلى اليهود والنصارى، ـ إن المقصود ـ المبادرة للإفطار في أول وقته، وعدم تأخيره، فإن ذلك قد يؤذي أو يحرج من كان بحاجة إلى الطعام، من الصائمين، من صغار السن، أو من كبارهم، ولأجل ذلك يستحب للصائم أن يبادر إلى الإفطار إذا كان هناك من ينتظره، ثم يصلي بعد أن يفطر.

وفي جميع الأحوال نقول:

إننا نعتقد أن ما قاله المسلمون الشيعة هو المناسب للاحتياط في الدين خصوصاً مع ملاحظة: أن الكلام عن أن جواز الإفطار منوط بقدوم الليل، ولا يتحقق معنى القدوم لليل من جهة الشرق إلا بانحسار الحمرة المشرقية..

وكذلك مع جعل الليل هو الغاية لإتمام الصيام في قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}..

وأما بالنسبة لمسألة رؤية الهلال:

فنقول: إن الخلاف فيها ليس أساسياً، وإنما هو في المجال التطبيقي وحسب..

وذلك لأن كلاً من المسلمين السنة والمسلمين الشيعة يؤمنون بأن الأحكام منوطة برواية لزوم رؤية الهلال بالبصر ليلة الأول من شوال، فإن ثبت لهم رؤيته بالبينة الشرعية، جاز لهم ترتيب الأحكام المنوطة بدخول الشهر، وإن لم يثبت لهم فلابد من الحكم ببقاء شعبان أو شهر رمضان؛ ثم إكمال عدة الصيام إلى ثلاثين يوماً..

ولأجل ذلك نلاحظ: أنه قد يتفق الشيعة والسنة على العيد، وقد يختلفون فيه، فتثبت رؤية الهلال لدى أهل السنة، ولا تثبت عند الشيعة..

كما أن الشيعة أنفسهم قد يختلفون فيما بينهم في تحديد يوم العيد، كما أن أهل السنة قد يختلفون فيما بينهم في ذلك أيضاً..

وذلك كله يدل أن الاختلاف إنما ينشأ عن أمور ترتبط في مجال التطبيق، وليس خلافاً جوهرياً.. غير أننا قد نجد مبرراً لزيادة حجم الاختلاف في التطبيق بين السنة والشيعة، وذلك حين يكون السبب الحقيقي في الاختلاف في يوم العيد، هو أن ضوابط رصد الهلال تختلف فيما بين الفريقين، اختلافاً ناشئاً عن الاجتهاد، الذي يستند ـ من جهة ـ إلى اختلاف الرأي حول مسألة وحدة الأفق أو تعدده، ثم من جهة أخرى.. إلى ضوابط نتج عنها أحكام صارمة، وقوية، يلتزم بها الشيعة من شأنها أن تقلل من نسبة الشهادات الجامعة لشرائط القبول عندهم فيما يرتبط برؤية الهلال.

فالشافعية من السنة يكتفون بشهادة واحد من الناس سواء في ذلك المرأة، والصبي، والفاسق، والكافر، فعلى الصائم أن يأخذ بشهادة أي من هؤلاء أو غيرهم، إذا بلغته شهادته ووثق بها. كما أن المالكية والحنابلة والحنفية يكتفون بشهادة المرأة الواحدة، والرجل الواحد..

ولكن المسلمين الشيعة لم يكتفوا إلا بشهادة الرجال، فلا تكفي عندهم شهادة الصبي المميز، ولا شهادة النساء، ولا بد من العدالة، والإسلام، واشترطوا التعدد، فلا يكفي شهادة رجل مع يمينه، ولا شهادة رجل وامرأتين..

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وآله الطاهرين..

 

 

[1]الآية 187 من سورة البقرة.

[2]الدر المنثور ج1 ص361 ط دار الكتب العلمية والمصنف لابن أبي شيبة ج2 ص429 وكنز العمال ج8 ص509 وصحيح مسلم بشرح النووي ج7 ص209 والجامع الصغير ج1 ص34 ط دار الكتب العلمية وصحيح البخاري شرح فتح الباري ج4 ص159 ومسند أحمد ج1 ص28 و35 و48 و54 وج4 ص380 وسنن أبي داود والسنن الكبرى ج4 ص216.

[3]المصنف لابن أبي شيبة ج2 ص429 وكنز العمال ج8 ص508 عن البيهقي وفيه: إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا، وههنا، فقد أفطر الصائم.. والبخاري ج3 ص47 باب يفطر بما تيسر عليه بالماء وصحح مسلم بشرح النووي ج7 ص210 والبخاري بشرح فتح الباري ج4 ص144 و162 ط دار إحياء التراث العربي..

[4]الدر المنثور ج1 ص362 ط دار الكتب العلمية والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص216.

[5]فتح الباري ج4 ص159 ط دار إحياء التراث العربي.

[6]فتح الباري ج4 ص159..

[7]فتح الباري ج4 ص159.

[8]الدر المنثور ج1 ص362 عن مالك والشافعي، وابن أبي شيبة، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وكنز العمال ج8 ص511 عن أحمد، والبيهقي، والترمذي، والمصنف لابن أبي شيبة ج2 ص430 وصحيح مسلم بشرح النووي ج7 ص208 وصحيح البخاري بشرح فتح الباري ج4 ص161.

[9]الدر المنثور ج1 ص262 عن أبي شيبة، والنسائي، والحاكم، وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان والمصنف لابن أبي شيبة ج2 ص429 زاد في نص آخر عنه قوله: ولم يؤخروه تأخير أهل المشرق ومثله في كنز العمال ج8 ص508 و509 وصحيح مسلم باب فضل السحور رقم 1098 وسنن ابن ماجة رقم 1698 وأبو داود رقم 3336 ومستدرك الحاكم ج1 ص431 ووافقه الذهبي..


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=664
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 7