السؤال(530):
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أما بعد..
نحيي سماحة آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي حفظه الله وجعله من المنافحين والذابين عن حياض مذهب الحق والحقيقة مذهب محمد وآله عليهم السلام..
ونشكر له كذلك جهوده في تأليف الكتب لإفادة الناس وبيان الحق ورد الشبهات، ومن أنفس كتبكم كتاب مختصر مفيد، الذي هو في الحقيقة موسوعة قائمة بحد ذاتها.
أما سؤالي سماحة السيد الجليل فهو حول شبهة جديدة يطرحها الوهابية مؤخراً، وقد تزامنت مع ظهور المسلسل الرمضاني المسمى بـ «الحجاج» حيث يعرض المسلسل «سكينة بنت الإمام الحسين عليها السلام» كزوجة لمصعب بن الزبير.
وكذلك كون «فاطمة بنت الإمام الحسين عليهما السلام» كزوجة لأحد أبناء عثمان بن عفان؟
فما هو الرد سيدنا الجليل..
ولكم منا جزيل الشكر والإمتنان..
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
زواج سكينة بمصعب؟!
فإننا بالنسبة لزواج سكينة بمصعب نقول: إن مما لا ريب فيه أنه قد بذلت محاولات كثيرة للنيل من مقام أهل البيت عليهم السلام، وكل من لهم بهم أدنى رابطة، أو نسبة.. ولم تسلم حتى النساء من التجني والافتراء، ومنهم السيدة سكينة رضوان الله تعالى عليها..
ومهما يكن من أمر، فقد رووا: أن سكينة قد تزوجت ستة رجال: أحدهم مصعب بن الزبير المقتول سنة 71 هجرية، وزعموا: أنه أبو عذرتها[1]
وقد ذكر السيد عبد الرزاق المقرم: أن رواية زواج مصعب بن الزبير بها لا تعدو الزبيريين أنفسهم، فإن رواتها هم: الزبير بن بكار، وابن أخيه مصعب، وعروة بن الزبير..[2]
مع أن المروي أيضاً: أن زوجها الأول هو عبد الله الأكبر، ابن الإمام الحسن المجتبى، وأمه رملة، وقد استشهد يوم الطف..[3]
وقد صرح جماعة من المؤرخين: أنه هو أبو عذرها..[4]
وقيل: إن أبا عذرها عمر بن الحسن بن علي..[5]
على أن من البعيد أن يكون زواجها من مصعب ـ لو صح ـ كان عن رغبة ورضىً منها، فإن آل الزبير كانوا من المبغضين للإمام علي وأهل بيته عليهم السلام ومن الشانئين لهم، وقد حاربوه في واقعة الجمل، وقد قتل الإمام علي عليه السلام الزبير، وهو أبو مصعب، فكيف يتزوج ابنه بحفيدة قاتل أبيه، إلا إن كانت هناك مقتضيات ومآرب أخرى دعته إلى ذلك، مثل محاولة إذلالهم، وإيصال الأذى إليهم.
ولعل هذا يؤيد صحة ما ذكروه من أنه قد تزوجها قهراً، وجبراً..[6]
وكيف يكون زواجاً عفوياً، ونحن نعلم أن أخاه قد جمع الهاشميين وحصرهم في الشعب، وصار يجمع الحطب عليهم ليحرقهم.. والقضية أشهر من أن تذكر..
وقد زعموا تارة: أنها ولدت لمعصب بنتاً اسمها فاطمة..[7]
وأخرى: اسمها رباب..[8]
وزعموا أيضاً: أن من أزواجها: عبد الله بن عثمان الحزامي، وأنها ولدت له غلاماً اسمه قرير، أو قرين[9] وأن من أزواجها أيضاً زيد بن عمرو بن عثمان، والأصبغ بن عبد العزيز بن مروان، ولم يدخل بها. وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ولم يدخل بها أيضاً..[10]
زواج فاطمة بابن عثمان؟!
أما بالنسبة للسؤال عن أن فاطمة بنت الحسين عليه السلام قد تزوجت بعبد الله بن عمرو بن عثمان، فنقول:
إن فاطمة كانت قد تزوجت بابن عمها الحسن بن الحسن، فولدت له عبد الله، ومحمداً، وإبراهيم، وزينب، ثم مات عنها، فأقامت على قبره سنة كاملة.. ثم تزوجها عبد الله بن عمرو بن عثمان فولدت له القاسم، ومحمداً، وهو الديباج (لجماله).. ورقية.
وقد روى في الأغاني قصة عن كيفية تزويجها بعبد الله هذا، وأنه قد تزوجها بمجرد انقضاء عدتها، وهي قصة تتضمن إهانات رخيصة لمقام هذه السيدة الجليلة، ولا شك في أنها مكذوبة من أجل النيل من كرامتها..
مع أنهم يذكرون عنها: أنها كانت تصوم النهار، وتقوم الليل، وتشتغل بالتسبيح بخيط فيه عُقَد[11]
ومع أن رواية المفيد قد صرحت بأنها أقامت على قبر الحسن بن الحسن سنة كاملة..[12]
فكيف تكون قد تزوجت بعبد الله بن عمرو فور انقضاء عدتها..
ومع أنهم يذكرون أيضاً: أن سبب تزويجها هو أن أمها «أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله» حلفت عليها لتتزوجنه، وقامت في الشمس، وآلت ألا تبرح حتى تتزوجه، فكرهت فاطمة أن تحرج، فتزوجته..
وبذلك يعلم كذب الرواية التي جعلت السبب في ذلك هو عشقها لعبد الله بن عمرو بن عثمان، وانقيادها لهواها في أمره.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
[1]راجع: سير أعلام النبلاء ج5 ص262 وطبقات ابن سعد ج8 ص475 وأعيان الشيعة ج3 ص492 عنه..
[2]سكينة بنت الحسين ص92 عن عيون الأخبار لابن قتيبة ج1 ص258 وراجع: الأغاني ج14 ص163.
[3]راجع: إعلام الورى ص127 والمجدي في أنساب الطالبيين ص19 وإسعاف الراغبين، بهامش نور الأبصار ص202، والأغاني ج4 ص163.
[4]المحبر ص438 والمترادفات للمدائني ص64 المجموعة الأولى من نوادر المخطوطات وبه صرح في الأغاني أيضاً..
[6]أعيان الشيعة ج3 ص492 عن تذكرة الخواص..
[7]طبقات ابن سعد ج8 ص475 وأعيان الشيعة ج3 ص492 وتذكرة الخواص ص278.
[8]طبقات ابن سعد ج5 ص183 وأعيان الشيعة ج3 ص492 عن الأغاني وعن سبط ابن الجوزي..
[9]طبقات ابن سعد ج5 ص434.
[10]أعيان الشيعة ج3 ص492 عن الأغاني وعن تذكرة الخواص..
[11]نيل الأوطار ج2 ص359 وتحفة الأحوذي ج9 ص322.
[12]الإرشاد للمفيد ج2 ص26 وراجع: كتاب الهواتف لابن أبي الدنيا ص92 وشرح النهج للمعتزلي ج10 ص287.
|