![](http://al-ameli.com/edara/pic/icon/jafar-morteza3.jpg)
السؤال(563):
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم سماحة السيد الجليل العلامة المحقق العاملي حفظه الله أقبل يديكم وأسأل الله أن يحشرنا في ركب محمد وآل محمد الطاهرين عليهم السلام.
سيدي، هناك إشكال يوجهه بعض المعترضين على منهجكم في التحقيق في التاريخ وهو أنكم تحاولون بملء قواكم أن تنفوا أي حسنة لأعداء ومناوئي أهل البيت عليهم السلام من جانب وتثبيت أي حسنة لأهل البيت عليهم السلام من جانب آخر حتى لو كان الدليل ضعيفاً في ذلك، مما قد يوقعكم في إشكالات أقلها أنكم قد تكونون لم تتبعوا الآية التي تقول: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وعلى جهة أخرى ـ بالنسبة لكلامكم عن أهل البيت عليهم السلام ـ قد تقعون في إشكالات الغلو أو ما شابهه بالنسبة لأهل البيت عليهم السلام كقولكم بأن دابة الأرض هي الإمام علي عليه السلام مع أن بلاغة القرآن تقتضي بأن يذكر شيئاً آخر غير الدابة إذا كان المعنيّ بذلك سيد الموحدين عليه السلام وأكثر من ذلك فقد نراكم تركزون على قضايا هامشية مثل جمال عائشة وأن الرسول صلى الله عليه وآله هل جرح في معركة أم لا وغير ذلك.
فما هو رد سماحتكم على هذا القول؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإن فيما ذكرتموه العديد من النقاط التي تستحق التوقف، ولكن بما أن استقصاء البحث في هذه النقاط، سوف يؤدي إلى إسهاب في القول، وتوسع في البيان.. فقد يفهم ذلك على أنه ناشئ عن رغبة في الدفاع عن النفس، لحوافز شخصية، أو شخصانية..
فمن أجل ذلك حاولنا الاختصار، والاقتصار على ما يجيش في الصدر من مطالب، فنقول:
1 ـ إن إثبات حسنات أهل البيت عليهم السلام ونفي حسنات أعدائهم إن كان مستنداً إلى الدليل، فأي ضير في هذا الإثبات، وذلك النفي، بل إن الإنصاف للحق وللدين وللتاريخ يحتم علينا التصدي لبيان ذلك وتأكيده، وتأييده، وتشييده.
2 ـ إن ما يزعمونه من اللجوء إلى استدلالات ضعيفة، يحتاج إلى بيان وهم مطالبون بتقديم الشواهد عليه، فلعل ما اعتقدوه ضعيفاً أو سقيماً هو القوي الصحيح..
3 ـ لنفترض: أن بعض ذلك كان ضعيفاً بالفعل، فإننا لم ندع لأنفسنا العصمة، فقد يخطئ الإنسان وقد يضعف، وقد يسهو..
4 ـ إن قولكم: أو قولهم: إن سبب الاهتمام بهذا أو ذاك هو الحرص الظاهر منا على هذا النفي، نعتبره ثناءً لا نستحقه، ونحن نشكركم عليه. فإن من يكون همه هو تأييد الحق، وحفظه حتى في أصغر الأشياء، ونبذ الباطل وإضعافه، حتى في أضعف مظاهره، لا بد أن يلاقي من محبي الحق التشجيع والتأييد، والرعاية والتسديد..
5 ـ إن الذين اهتموا بهذه الأكـاذيب الصغيرة ـ إن صح التعبير ـ ونسبوها إلى هذا أو ذاك، هم عقلاء، وأهل نظر، ولهم حظ من المعرفة، والعلم، ولهم أهداف يريدون الوصول إليها، ولم يكونوا يلعبون أو يعبثون، فلماذا بذلوا هذه الجهود في حشد هذه الجزئيات وتكثيرها، وتزيينها باللمحات واللفتات..
6 ـ إنه لا مجال للزهد بالفضيلة، مهما كانت صغيرة، كما لا يجوز الاستهانة بالرذيلة مهما كانت كذلك، فإن اجتماع هذه الأمور الصغيرة من الفضائل والمزايا وتضافرها، من شأنه أن يقوي بعضها بعضاً، ويشد بعضها أزر بعض، وسوف يساعد على إعطاء تصور عام، وفي إيجاد مرتكز ذهني، وخلفية ذات طابع معين، وبصورة عفوية ولا شعورية، تجاه إنسان أو أمر بعينه، ويصبح من الصعب تقديمه في صورة أخرى، بل سوف تواجه الصورة رفضاً وجدانياً قوياً إذا كانت لا تنسجم مع ملامح الصورة التي أنتجتها تلك الجزئيات..
فإذا كانوا مثلاً يلقون في وجدان القارئ جمال عائشة، وطفولتها، وبراءة تصرفاتها، وصغر سنها، وحركاتها الظريفة التي توحي بالدلال والإدلال على رسول الله صلى الله عليه وآله، وأظهروا عطف النبي صلى الله عليه وآله عليها، وسعيه لإرضائها، وتمييزها على غيرها.. و.. و.. الخ.. فإن ذلك سوف يعطي انطباعاً عن مكانتها ودورها المميز في بيت الرسول، الأمر الذي سينشأ عنه صعوبة تقبل أي حديث يخالف ذاك وسيصعب تقبل الحديث الذي يقول: إن النبي صلى الله عليه وآله أشار إلى بيت عائشة، وقال: من ههنا الفتنة ـ ثلاث مرات ـ من ههنا يطلع قرن الشيطان.. وسوف يصعب إدانتها، وتصور حجم جرمها في حربها للإمام علي عليه السلام، وفي قتلها ألوف المسلمين..
كما أننا إذا أهملنا هذه الجزئية، وتلك.. أو أهملنا ذكر فضائل ومزايا أهل البيت عليهم السلام مثلاً، فإن ذهن وعقل الإنسان سوف يبقى خالياً وخاوياً من أي تصور لحقيقتهم عليهم السلام، ولأية فضيلة، وميزة لهم. ولسوف يستغرب، ويستكثر، ويستهجن، ويرفض، ويدين، ويحتج، ويشنع عليك، لو قلت له: إن هناك روايات كثيرة رواها السنة والشيعة، وسند بعضها صحيح.. تؤكد على أن المقصود بدابة الأرض التي سوف تكلم الناس، وتُظْهِر المعجزة، وتكون معها عصا موسى، وخاتم سليمان، هي الإمام علي عليه السلام.
وسوف لا ينفع معهم، أن تقول لهم: إن الدابة تطلق على كل من يدب على الأرض من إنسان أو حيوان..
ولا ينفع معهم أن تقول لهم إن علينا أن نصدق الأئمة عليهم السلام فيما يقولونه، وسوف لا ينفع الخ..
7 ـ بل قد يصح لنا القول بأن تبسيط الأمور، ثم اعتبار التدقيق في البحث، واستيعابه لجميع الخصوصيات، وحصحصة الحق، جريمة عظيمة، وهدراً للطاقة، وإغراقاً في الانطواء، وإمعاناً في التخلف، ودليلاً على ضيق الأفق، كما يحلو لهؤلاء أن يسوِّقوا له.. ما هو إلا أسلوب إعلامي، يهدف إلى الحفاظ على ماء الوجه لأولئك المزوِّرين، المجرمين في حق أهل بيت النبوة، وفي حق الإسلام، وأهله.. وهو أيضاً محاولة للإبقاء على شيء من هذا التاريخ الذي كتب بأقلام الخونة والحاقدين، ليستفيدوا منه في مشاريعهم الرامية إلى التلاعب بحقائق الدين، والتاريخ، وصياغتها وفق أهوائهم، وعلى قياساتهم..
8 ـ لماذا يؤخذ علينا: أننا نهتم بأصغر فضيلة لأهل البيت عليهم السلام، ولا يؤخذ على أولئك أنهم يزورون حتى أصغر الفضائل، وينسبونها إلى أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم..
ولماذا لا يؤخذ على أولئك أيضاً ما يمارسونه من تشكيك وتلاعب في أعظم فضائلهم عليهم السلام..
9 ـ إننا نعلم أن أهل البيت عليهم السلام لا يحتاجون إلى الفضائل، وأن اهتمامنا نحن بتلك الفضائل إنما هو من أجل أن نستفيد نحن منها في أكثر من اتجاه. ويكفي أن فيها تحصين لنا في قبال أعدائنا، وأعداء الحق، وفيها فضح لهم، وإدانة لتزويرهم، وتعريف للناس بجرائمهم، في حق الإيمان، والإسلام، وأهله..
10 ـ بل لقد بلغت الأمور والجرأة بالبعض: أن يدَّعي: أنه لم تحدث من الصحابة أية حالة سلبية تجاه رسول الله صلى الله عليه وآله، في كل واقع الإسلام.. مع أن هذا القائل يدَّعي أنه عالم، وأنه من شيعة أهل البيت عليهم السلام.. ويدَّعي.. ويدَّعي..
11 ـ وأما فتوحاتهم، فمن الذي قال: إنها قد نفعت الدين، وأهله.. بل إننا نقول: من الذي قال: إنهم قد قصدوا بها غير توسيع ملكهم، وتأييد سلطانهم، والحصول على المال والحسناوات، وعلى البلاد والعباد.. ولماذا لا ينظر إلى السلبيات التي نشأت، والعاهات والبلايا التي ظهرت منها.
على أننا لا نجد أنفسنا معنيين بذكر فضائل لا تحمل أية قيمة أخلاقية وإنما تنبع قيمتها من اتصالها بالذات وبالحياة الدنيا، بل ربما تخفي وراءها الكثير، الكثير من الخبث والانحطاط، واللؤم حين تخدم أهدافاً شريرة وشخصانية طاغية، وأشخاصاً يريدون تأكيد وتكديس المكاسب لأنفسهم، سواء في ذلك المادية والمعنوية.
فما لم نحرز أن تلك الإنجازات ـ لو صح إطلاق كلمة إنجاز عليها ـ تنبع من معنى إنساني أو من إحساس بواجب ديني فليس لنا أن نعتبرها فضائل، بل قد يكون الترويج لها ترويجاً للرذيلة، لا للفضيلة. وفهمكم كفاية ولا تضطرونا للبوح بأكثر من ذلك.
على أن هذا الأمر مما يُطَالِب به محبوهم والذين يريدون تكثير الناس حولهم، وصرف الناس عن أهل البيت عليهم السلام. فهل هؤلاء القائلون يرضون بأن يكونوا في موقع كهذا؟!!.
12 ـ وأما الحديث عن الغلو فهو الأغرب والأعجب، ولاسيما إذا كان مستنده هو ما قلناه حول دابة الأرض، مع أننا لم نقل إلا ما روي عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام.. إلا أن يكون القول بالرجعة، ورجعة الإمام علي عليه السلام بالذات غلواً عند هؤلاء.. فإن كان الأمر كذلك فإن جميع الشيعة غلاة، منذ عهد الأئمة عليهم السلام وإلى يومنا هذا.. كما أن الغلو موجود في القرآن فإنه هو الذي قرر أمر الرجعة.. وأخبر الناس عنها، وكذلك النبي الأعظم صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام من بعده..
وحسبي ما ذكرت، فإن الوقت لا يتسع لأكثر من ذلك..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
|