بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي دامت بركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سماحة العلامة دمتم بالعز والهنا
أرفع إلى مقامكم العالي السؤال والإستفسار الآتي
ونأمل من سماحتكم الإجابة والتوضيح والتوجيه في الفهم
السؤال والاستفسار الاتي يطرحه المخالف والمطالع والباحث في تراث مدرسة اهل البيت سلام الله عليهم
في اعتقادنا في مدرسة اهل البيت صلوات الله عليهم الائمة
كثيرا ما كانوا يفتون ويجيبون ويحكمون وفق التقية خلافا للحكم الواقعي لكي يحصل الاختلاف بين الشيعة فلا يعرف المخالفون ان احكامهم يأخذونها من مصدر واحد فلا يترتب عليهم وعلى شيعتهم اذى وكي لايحصل لمذهب الشيعىة طابع خاص متمايز ويظهر ما يعينه ويشخصه في مقابل مذهب الحكومة وطريقتهم الرسمية
فيتخذه خصومهم وسيلة الى اضطهادهم
كما روي عن مولانا الامام الباقر عليه السلام ـ في جواب من سأل عن سبب هذا الاختلاف بين الشيعة ـ (ان هذا خير لنا وابقى لنا ولكم ولو اجنتمهتم على شئ واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم - اصول الكافي ج1 باب اختلاف الحديث
وما روي عنهم سلام الله عليهم في جواب من قال انه ليس أشد على من اختلاف اصحابنا ان الامام عليه السلام أجاب ذلك من قبلي ـ بحار الانوار للعلامة المجلسي ج 2 ـ 236 الحدائق الناضرة للشيخ يوسف البحراني ج1ـ 7 المقدمة
والحديث المروي عن مولانا الصادق عليه السلام في جواب من سأل عن اختلاف مايروونه عنه انه قال ـ اني خالفت بينهم لكيلا يعرفوا فيؤخذوا ويقتلوا ـ
لكن يبرز إشكالات
1ـ النتيجة كانت تعدد اقوال الامام المعصوم عليه السلام واختلافه يؤدي بالنهاية ـ الى اختلاف في العقيدة المؤخوذة والمسموعة من الامام عليه السلام من حديث وتفسير وسنة
2 ـ هذا يتقاطع ويصطدم مع اعتقادنا بمنصب الامامة الالهية الامام حافظ للشرع وقائم عليه والمفسر الرباني للقرأن الكريم وهو القرأن الناطق والمبلغ عن الله عزوجل وهو مصدر الاحكام والفتاوى وبوجوده يكون المكلف ابعد من فعل القبيح واقرب من فعل الواجب والحق لايعرف الا من جهته عليه السلام والطريق الى اليقين لايكون الا من قوله
بالنتيجة كل ذلك لن يتحقق لأختلاف قول الامام المعصوم عليه السلام
واوضح شاهد على ذلك تقرير الشيخ الطوسي رحمه الله في مقدمة كتاب تهذيب الاحكام ج1 ـ (ذاكرني بعض الاصدقاء ايده الله ممن اوجب حقه علينا بأحاديث اصحابنا ايدهم الله ورحم السلف منهم وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتى لايكاد يتفق خبر الا وبأزائه ما يضاده ولا يسلم حديث الا وفي مقابلته ما ينافيه حتى جعل مخالفونا ذلك من اعظم الطعون على مذهبنا وتطرقوا بذلك الى ابطال معتقدنا ـ)
وقول الشيخ يوسف البحراني رحمه الله صاحب الموسوعة الفقهية الحدائق الناضرة ج1 ص5 (فلم يعلم من احكام الدين على اليقين الا القليل لامتزاج اخباره بأخبار التقية)
وما ذكره المرجع الديني الراحل السيد الخميني في كتاب كشف الاسرار ص138 موضوع جواب المقال بحكم العقل والواضح ان الامامة لو تمت كما اراد الله وكما بلغ النبي وسعى اليه لم تكن لتقع كل هذه الاختلافات في بلاد الاسلام ولم تكن لتقع كل هذه الحروب وسفك الدماء ولم تكن لتحصل كل هذه الخلافات في اصول الدين وفروعه بل لم يكن ليقع الاختلاف بين مجتهدي الشيعة الذي يجب اعتبار يوم السقيفة من اسبابه لان اختلاف الاراء ناشئ عن اختلاف الاخبار واختلافها ناشئ عن صدور بعضها تقية كما تقدم الحديث عن ذلك فلو وصلت الزعامة الى اهلها لم يكن للتقية مورد)
نامل من سماحة العلامة السيد العاملي الاجابة والتوضيح ورفع الاشكال كما عودنا سماحته صاحب القلم الجرئ بالحق
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإن هذا السؤال ليس مما يتكفل هذا الموقع بالإجابة عليه، لأن هذا الموقع إنما يعنى بمعالجة الشبهات، التي تلامس قضايا الإيمان والإسلام. فالهدف منه هو حفظ إيمان الناس، وتقوية يقينهم، وتأكيد صحة وسلامة عقيدتهم ومنهجهم، وليس بصدد طرح مباحث في علم أصول الفقه، أو في علم الرجال، أو معالجة مسائل فقهية استدلالية أو ما إلى ذلك..
ومع ذلك، فإننا فيما يرتبط بالسؤال المطروح نقول بإيجاز بالغٍ:
1 ـ إن العمل بالتقية لم يوجب طمس معالم المذهب، ولم يتسبب باختلاف مبانيه الإعتقادية. بل بقي المذهب محفوظاً ومصوناً على مدى الدهور والفصول.
وما ذلك إلا لأن أوامر التقية لا تتخذ صفة العموم والشمول وجعل الأحكام لجميع الناس، بل تبقى في دائرة الأفراد الذين يتوجه إليهم الإمام بأمره الخاص بهم، لا يتعداهم إلى غيرهم. والهدف هو حفظ حياتهم، وسلب السلطة الغاشمة الذرائع التي تتوسل بها للعدوان عليهم كأشخاص كانوا موضع رصدها لسبب أو لآخر..
مع علم المأمور بهذه الأوامر، وعلم غيره ممن يطلع على حاله ـ على حقيقتة ـ أن ثمة عنواناً ثانوياً اقتضى عدم العمل بالحكم الأولي.
والفقهاء يستطيعون التمييز بين الأحكام الصادرة تقية، وبين غيرها.
ولا نقول: إن أحكام التقية هي أهون الشرين، وأقل الضررين، بل نقول: هي محض الخير والصلاح، وبها يحفظ الحق وأهله، فإن من لا تقية له لا دين له، كما في الحديث الشريف.
2 ـ إن الإمام الذي كان يسعى لحفظ الشيعة من سيوف الظلمة والجبارين من خلال أوامر التقية كان لا يزال يعيش بين ظهراني الشيعة، إما بنفسه، أو من يقوم مقامه إلى عشرات أو مئات السنين.
والإمام الحجة ـ أرواحنا له الفداء ـ حي يرزق أيضاً على مدى الأزمان، وهم الذين يعالجون الإشكالات التي تنشأ عن أحكام التقية، ولا يمكن أن يغضوا الطرف عن أي خلل يظهر في الأمة مهما كان حجمه..
3 ـ كما أن بعض الاختلافات التي تكون بين المجتهدين في عصر الغيبة قد كان لها نظائر في عصر الحضور أيضاً، ولم ير فيها الأئمة «عليهم السلام» دلالة على أنها تمثل انحرافاً، أو خللاً في المذهب.. فإن الأحكام الظاهرية هي الأخرى من الدين، كما هو حال الأحكام الواقعية..
وعمل المكلف بالأحكام الظاهرية حتى مع حضور الإمام ليس قبيحاً ولا ممنوعاً منه، بل هو مقتضى طبع الشريعة السهلة السمحاء..
4 ـ إن جعل مخالفينا اختلاف أحاديثنا طعناً علينا يدل على صحة السياسة التي اتبعها الأئمة، وأنها قد آتت أكلها على أكمل وجه وأتمه..
على أن اختلاف الأحاديث عند مخالفينا أبين وأوضح..
والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله الطاهرين.
جعفر مرتضى العاملي
|