• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : الأسئلة الأخلاقية .
                    • الموضوع : التقريب بين المذاهب .

التقريب بين المذاهب

 

السؤال(449):

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

كيف يمكن التقريب عملياً بين المسلمين بمختلف مذاهبهم؟

 

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلقه، وأشرف بريته محمد وآله الطيبين الطاهرين. وبعد..

إن التقريب العملي، متوقف على الناحية النظرية، فلا يمكن أن تكون هناك ممارسة عملية صادقة ومخلصة، ومضمونة النتائج، إذا لم تكن هناك قناعات بمقتضياتها وبمناشئها، ومرتكزاتها..

وإذا كان التقريب ينطلق من مرتكز إيماني فإنه سيكون أشد رسوخاً، وأعظم تأثيراً وحيوية وثباتاً، أمام العواصف العاتية التي تواجهه في مجال العمل..

تلك العواصف التي يثيرها في مختلف الاتجاهات دعاة الفتنة، والتشكيكيون، والذين لا يفكرون إلا بالوصول إلى مطامعهم، ونيل مآربهم.

وأولى هذه القناعات التي أراد الله تعالى ترسيخها في وجدان الإنسان المسلم، تنطلق من حقيقة: أن الله يريد للإسلام أن يحكم العالم بأسره، ويهيمن على مسيرته بهديه، وتعاليمه المعمقة للإيمان، والمثمرة للعمل الصالح.

فالأمة بنظر الإسلام واحدة، لها هدف واحد، ومصير واحد.

{إِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}، وفي آية أخرى: {وَإِنَّ هَذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}.

ولهذه الوحدة أساس فكري ينظر إلى البشرية كلها على أنها أسرة واحدة، لها مدبر ومرب واحد، هو الرسول صلى الله عليه وآله فهو الهادي، والمربي، والمزكي، والمرشد، والمدبر، والمعصوم، وأما العلاقة والرابطة فيما بين أفراد هذه الأسرة أنفسهم، فهي علقة ورابطة الأخوة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}.

ثم بين جل وعلا أن هذه الأخوة واعية ومسؤولة في مجال العمل فقال: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}.

وأما مرتكزات هذه الأخوة، فهي أمران: أولهما: الحق. الثاني: المواساة.

فالحق هو الأساس الذي تقوم عليه العلاقات، وتعتمد عليه المعاملات، وتبنى عليه المواقف، وهو الفيصل والمرجع، حين تختلف المصالح والأهواء، وهو الضمانة التي تضفي على العلاقة جو الثقة والطمأنينة، وتحيطها بجو من الدفء، والرضا، والتفاهم، بل والمحبة والعطف الأخويين. فليس للمصالح الشخصية والقبلية، والفئوية والحزبية, و.. ولا للميول والأهواء الشخصية، ولا للانفعالات العاطفية، ولا للاندفاعات الغريزية، وغيرها أي دور في ذلك.

وإذا جاء هذا الحق عن طريق الإحساس بالمسؤولية الشرعية، والدافع الإيماني والإنساني، وعن طريق الأخوة، والمحبة والحنان، فإن ذلك سيكون أضمن لبقائه، فإن الإنسان بطبيعته يخضع للحق عن هذا الطريق.

أما إذا جاء الحق عن طريق القهر والجبرية والغلبة، وبقوة السيف أو العصا، فإن علينا أن نودع الحق بمجرد غياب هاتيك القوة، وفقدان تلك العصا، وذلك السيف.

وبهذا الحق الرضي، والحنون، يتفاهم الأخوة لمعرفة الصواب من الخطأ، ولمعرفة الدخيل من الأصيل، والحقيقة من الخرافة.. وتتوحد الفكرة، والنظرة، وتتحدد المسؤولية، ويكون الموقف، وهذا هو حقيقة التقريب، ومداه، وهذه هي آفاقه، وهذا هو محتواه.

وأما المواساة: وهي مرتبة أعلى من العدل لأنها تعني التخلي عن الكثير مما احتفظ به الإنسان لنفسه عن طريق العدل لصالح الآخرين.

نعم، إن هذه المواساة تهيء للأمة المؤمنة القدرة على مواجهة الظروف الطارئة، والأزمات الخانقة، وتلافي سلبياتها إلى حد كبير، ثم هي تعطي القدرة على مواجهة الضغوط التي يفرضها عليها أعداؤها، مهما كانت قوية وقاسية..

وهذان الركنان: الحق والمواساة، هما اللذان أقام رسول الله صلى الله عليه وآله، عليهما بناء الأخوة الإسلامية حينما آخى بين المسلمين..

ولأجل ذلك نقول: إنه إذا كان لابد من تقريب عملي وحقيقي بين المسلمين، فلابد من وضع آلية قادرة على تجسيد هذا التصور الفكري، المرتكز إلى الحقيقة الإيمانية. غير أنه بانتظار حصول ذلك فإن من الضروري أن يكون هناك تعامل وحدوي، بمعنى إيجاد درجة من التعاون والتعاضد ضد العدو المشترك، ومن أجل صيانة الكيان العام وتقويته، وتهيئة الأجواء له، ليصبح جاهزاً للقيام بالخطوات التالية، على طريق إنجاز مهمة التقريب بصورة واقعية، وعملية، قوية وصحيحة..

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين..

 


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=649
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29