• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : الأسئلة والأجوبة .
              • القسم الفرعي : الأسئلة العقائدية .
                    • الموضوع : (البعض)!!! ينكر العصمة حتى في التبليغ .

(البعض)!!! ينكر العصمة حتى في التبليغ

السؤال(439):

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة العلامة المحقق السيد العاملي، سلام من الله عليكم ورحمة وبركات.

لقد سألتكم من قبل عن مغزى كلام صاحب من وحي القرآن أثناء مناقشته لأدلة السيد العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في العصمة التبليغية، وقد أرسلتم لي نص مناقشتكم لكلامه من كتاب خلفيات.

وأقول لكم: أنني قرأت نص «من وحي القرآن» وقرأت ردكم، ولكنني لم أجد الرد على كلامي، فأعيده موضحاً له بمقتطفات من النص الذي أرسلتموه:

أ ـ ألم يكن فضل الله يناقش قضية العصمة التبليغية على مستوى الدليل وليس على مستوى الفكرة؟

ب ـ ألم يقل عن السيد الطباطبائي (رحمه الله) بأن «أن ما ذكره ـ يقصد هنا هداية الناس إلى حق الاعتقاد، وحق العمل ـ لا يلازم ما ذكره من العصمة عن الخطأ في التبليغ» وهو يعني بذلك أن دليل السيد الطباطبائي (رحمه الله) هنا ليس ناهضاً ـ حتى لو كان حسب تخرصه وتوهمه ـ وما يدل على ذلك هو أنه ختم نقاشه بقوله: «إننا نتصور أن هذا الأسلوب الاستدلالي في تقرير العصمة في القول والفعل لا يملك القوة في الاستدلال من خلال المناقشات المذكورة وغيرها، فلا بد من اللجوء إلى أدلة أخرى قد يكتشف الإنسان فيها أن النبوة حدث غير عادي...»، فهو قد كان يقول: بأن كلام السيد الطباطبائي (رحمه الله) لا يستلزم القول بالعصمة التبليغية، بل يجب علينا أن نبحث عن طريق آخر للاستدلال على هذه العصمة، وهو ما ذكره في آخر قوله ـ حتى لو كان مضمون كلامه الأخير الذي يزعم أنه استدلال جديد، نعم مضمون كلامه هو مثل مضمون استدلال السيد الطباطبائي ـ..

إذاً ألخص كلامي في النقطتين التاليتين:

1 ـ إن المفهوم من كلام صاحب «من وحي القرآن» هو أن كلام السيد الطباطبائي لا يصلح لأن يكون دليلاً على العصمة أثناء التبليغ، ويجب علينا أن نبحث عن دليل آخر.

2 ـ إنه كان يناقش القضية على مستوى الدليل وليس على مستوى الفكرة، لذلك طرح دليلاً يظن أنه هو الدليل الأقوى للعصمة التبليغية.

فذيل كلامه يدل على أنه يثبت الفكرة وليس ينقضها. فبالنتيجة، هو يقول بالعصمة التبليغية.

 

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

فقد ذكرتم أن صاحب كتاب: «من وحي القرآن» لم ينكر العصمة في التبليغ وإنما أنكر دليلها الذي ذكره صاحب الميزان، على اعتبار أنه دليل غير صالح، فعلينا أن نبحث عن دليل آخر..

ولأجل ذلك طرح دليلاً آخر في نهاية كلامه على العصمة في التبليغ، ظن أنه الأقوى، مما يعني: أنه قائل بالعصمة التبليغية.

وذكرتم الفقرة التي تضمنت ما ظن أنه دليلاً على العصمة التبليغية..

ونقول:

إن صاحب كتاب «من وحي القرآن» قد حاول إسقاط أدلة العصمة في التبليغ، ولكنه لم يأت بدليل آخر عوضاً عنها..

ومن الواضح: أن من يفعل ذلك لا يصح أن يقال عنه إنه قائل بالعصمة بالتبليغ، ولكنه يناقش في دليل.. فإن إسقاط الدليل مساوق لإسقاط الدعوى من أساسها..

ونوضح ذلك فيما يلي:

إن كلام صاحب «من وحي القرآن» ينقسم إلى قسمين:

الأول: تعرض فيه إلى العصمة عن الخطأ في أمرين هما:

1 ـ تلقي الوحي.

2 ـ تبليغ الرسالة.

والثاني: العصمة عن الذنوب.

وقد ناقش كل قسم على حدة.. ولكنه بالنسبة للقسم الأول أهمل الحديث عن العصمة في تلقي الوحي، وصب اهتمامه على نقض دليل السيد الطباطبائي على العصمة في التبليغ ـ وبعد أن قرر أن من الممكن من الناحية التجريدية ـ أن يخطئ النبي في تبليغ آية أو ينساها في وقت، ليصحح ذلك، ويصوبه بعد ذلك، مع تقديم القرائن القطعية في المرة الثانية على هذا الصواب.

لأن المهم في الغرض الإلهي هو وصول الوحي في نهاية المطاف، وقد حصل ذلك فعلاً، فإن الخطأ في بعض الحالات ينقلب إلى صواب، تؤكده القرائن القطعية..

ثم أقفل الحديث عن العصمة في التبليغ عند هذا الحد..

وانتقل إلى الحديث في القسم الثاني، وهو العصمة عن الذنوب، فقال:

ويتابع العلامة الطباطبائي حديثه عن العصمة ليشمل: ـ في استيحاء هذه الآية مع آية ثانية ـ العصمة عن المعصية في العمل، فيقول: الخ..

ثم ذكر كلام الطباطبائي، ثم ناقشه، ورده، وذكر أن ثمة حاجة إلى أدلة أخرى.. ثم ذكر أن لديه دليلاً آخر على العصمة عن المعصية، مبتدءاً كلامه بقوله:

«إننا نتصور أن هذا الأسلوب الاستدلالي في تقرير العصمة في القول والفعل لا يملك القوة في الاستدلال من خلال المناقشات المذكورة وغيرها، فلا بد من اللجوء إلى أدلة أخرى قد يكتشف الإنسان فيها أن النبوة حدث غير عادي في معنى الرسالة، لأنها حركة إلهية في هداية البشرية إلى الله وتغيير الحياة على صورة أخلاق الله، مما يفرض إنساناً يعيش الرسالة في عمقه الروحي، وتأمله الفكري، وأخلاقيته العظيمة في صدقه مع ربه ونفسه، ومع الناس، وأمانته في ماله ودينه، ومسؤوليته وإنسانيته، بحيث تكون الرسالة التي يحملها منسجمة مع الروح التي يتجسد فيها، لتكون الرسالة جسداً يتحرك، ويكون الجسد رسالة تنفتح على الله وعلى الإنسان والحياة في اتجاه التغيير.

إن هذا الدور التغييري، الذي يستهدف تغيير الإنسان بالكلمة والقدوة، بحاجة إلى الإنسان ـ الصدمة الذي يصدم الواقع الفاسد بكل قوة، الأمر الذي ينفتح فيه اللطف الإلهي على إعطاء المزيد من القوة الروحية والأخلاقية والفكرية، والعصمة العملية لهذا الإنسان، سواء أكان ذلك بالطريقة التي يبقى فيها عنصر الاختيار له لسلوك الاتجاه المضاد أم كان بطريقة أخرى، لا يبقى فيها له ذلك العنصر، لأن القضية هي حاجة البشرية إليه، أما قضية الثواب وعلاقتها بالاختيار، فهي مسألة لا تعقيد فيها، لأنها ـ في جميع الأحوال ـ تفضل من الله، حتى رأينا البعض يتحدث عن الاستحقاق بالتفضل»..[1]انتهى كلامه..

فتراه قد ساق الكلام باتجاه العصمة الإجبارية، وما يترتب على الطاعة من مثوبة بالتفضل أو بالاستحقاق، أو الاستحقاق بالتفضل..

وقد ناقشنا كلامه هنا في كتابنا «خلفيات كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام)»، ولكن بإيجاز لم يصل إلى حد الإخلال بما نرمي إليه.. وقد أرسلنا إليكم هذه المناقشة في إجابتنا السابقة..

 

والخلاصة: أنه إنما طرح حلاً، وجاء بدليل على ثبوت العصمة عن الذنوب، وقد كان حلاً خاطئاً في نفسه، ولا بأس حين اعتبرها عصمة إجبارية بصورة مطلقة، أو في بعض مجالاتها.. وقد ناقشناه في هذا الأمر في كتابنا: «خلفيات كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام)»..

 

وأما بالنسبة للعصمة عن الخطأ في التبليغ: فهو لا يرى لزومها أصلاً، بل هو يرى أن الله متكفل بحفظ شرعه، بالقرائن القطعية، ولا حاجة إلى الالتزام بالعصمة عن الخطأ، لأن المهم هو وصول الشريعة من دون إخلال، وهذا ممكن حتى لو لم يكن النبي معصوماً في التبليغ..

غير أن اللافت هنا:

أنه حين أهمل التعرض للعصمة في تلقي الوحي، فذلك من أجل أنه ينكر هذه العصمة من أساسها، كما قرره في تفسيره لقوله تعالى: {إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ}[2]حيث قال: إن نوحاً «لم يلتفت إلىكلمة: {إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ}.. لأنه لم تكن واضحة»[3]وفي نص آخر: «لم ينتبه»[4]

وهذا معناه: أن النبي يخطئ في تلقي الوحي، فلا ينتبه أو لا يلتفت لبعض ما يلقى إليه منه، فيتخذ المواقف غير المنسجمة معه..

هذا كله.. عدا عن أن ما قرره من العصمة الإجبارية عن الذنوب، قد نقضه في كثير من الموارد حين نسب إلى الأنبياء أموراً كثيرة تدخل في دائرة المعاصي، أو في دائرة العزم عليها، فراجع كتاب: «خلفيات» خصوصاً ما ذكره عن الأنبياء: آدم، ويوسف، ويونس، وإبراهيم، وموسى، وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين..

والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

 

[1]من وحي القرآن ج4 ص155 ط دار الملاك.

[2]الآية 40 من سورة هود.

[3]من وحي القرآن ط دار الزهراء ج12 ص80 .

[4]راجع: الحوار في القرآن ص230 ط سنة 1399هجري.


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=639
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18