بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين..
سماحة العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي (دام ظله العالي)..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بعد جزيل الشكر عن توجهكم وإجابتكم عن أسئلتي وجوابكم عنها وبعد اعتذاري عن طرح سؤالي الأخير، أقول لجنابكم:
أولاً: إذ يقول المعصوم «عليه السلام»: «هو الدال بالدليل عليه»، أو يقول الإمام الصادق «عليه السلام»: «لا يدرك مخلوقاً إلا بالله، ولا تدرك معرفة إلا بالله»، أو يقول الرسول «صلى الله عليه وآله»: «بالله عرفت الأشياء». حرف الباء ـ كما تفضلتم ـ باء السببية، كما يقول الله تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾، وكما يقول صادق آل محمد «عليه السلام»: «ستة أشياء ليس للعباد فيها صنع: المعرفة، والجهل، والرضا، والغضب، والنوم واليقظة»(1). وإذا سئل عنه (عليه السلام): المعرفة صنع من هي؟
قال «عليه السلام»: «من صنع الله عز وجل، ليس للعباد فيها شيء»(2). ولكن يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه السلام»: «اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان»(3).
وإذ سئل عنه «عليه السلام»: أخبرني عرفت الله بمحمد؟! أم عرفت محمداً بالله عز وجل؟!
فقال «عليه السلام»: «ما عرفت الله بمحمد «صلى الله عليه وآله»، ولكن عرفت محمداً بالله عز وجل»(4). وإذ قال منصور بن حازم لأبي عبد الله «عليه السلام»: «إني ناظرت قومك، فقلت لهم: إن الله أجل وأكرم من أن يعرف بخلقه، بل العباد يعرفون بالله.
فقال «عليه السلام»: «رحمك الله»(5).
ليس حرف الباء هو باء السببية، ويؤيد ذلك قوله «عليه السلام»: «اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك..».
هذه المعرفة ليست المعرفة الحاصلة عبر خلقه وأسمائه، كما يقول الإمام الحسين «عليه السلام» يوم عرفة: «كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك».
وإذ يقول مولى الموحدين «عليه السلام»: «يا من دل على ذاته بذاته». ليس المراد دلالته على ذاته بخلقه.
ثانياً: المعرفة الجزئية عن الله سبحانه وتعالى أمر محال، ولكن المعرفة الإجمالية ممكنة، كما عبرت جنابكم بإمكان المراتب في معرفته عز وجل.
فإذاً معرفة الله على قسمين: الإجمالي والتفصيلي.
أدنى معرفة الله عز وجل هي الاعتراف بوجده ويحصل ذلك عبر خلقه وصنعه، كما يقول أمير المؤمنين «عليه السلام»: «دليله آياته». أو يقول الإمام الحسين «عليه السلام»: «وأنت الذي تعرفت إلي في كل شيء». أو عن الإمام علي «عليه السلام» إذ يقول: «بصنع الله يستدل عليه».
ثم بواسطة هذه المعرفة نصل إلى معرفة أعلى، كما يقول علي بن أبي طالب «عليه السلام»: «الظاهر بعجائب تدبيره للناظرين».
ومن الواضح: أن هذه المعرفة ذات تفاصيل أكثر، وأعظم من المعرفة عبر خلقه وأسمائه، وهذا يتحقق عبر معرفة أعظم خلقه وأكبر أسمائه، وهم محمد «صلى الله عليه وآله» وأهل بيته «عليهم السلام»، فلذا قال الصادق «عليه السلام»: «نحن والله أسماء الله الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملاً إلا بمعرفتنا».
والإمام الحسين «عليه السلام» إذا سئل: «فما معرفة الله»؟!
قال «عليه السلام»: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته.
وقال المعصوم «عليه السلام»: من عرفهم فقد عرف الله.
وقال علي «عليه السلام»: «ما لله آية أكبر مني».
وقال الصادق «عليه السلام»: «بنا عرف الله».
وقال الرسول «صلى الله عليه وآله»: «لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتكم».
وقال علي «عليه السلام»: «نحن الأعراف الذين لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا».
ثالثاً: المعرفة الحاصلة عبر خلقه وصنعه وأسمائه ليست معرفة لله بالله، والمعرفة الحاصلة بالله أعلى وأكمل من معرفته بخلقه وأسمائه، وكيفية حصول معرفته بالله، يكون من سبيل التعقل والإيصال من المعرفة الإجمالية إلى المعرفة التفصيلية.
كما يقول المعصوم «عليه السلام»: «إن الله تعالى أرسل رسله إلى عباده ليعقل عنه ما جهلوه»(6). هنا يتأكد المعصوم «عليه السلام» عبر التعقل في الله سبحانه وتعالى نستطيع أن نصل إلى فهم مجهولاتنا عنه عز وجل، وبهذه الطريقة نصل إلى معرفة الله، بواسطة التفكر والتعقل في الله وفي عدة روايات عن علي بن أبي طالب «عليه السلام»، وعن الإمام الرضا «عليه السلام» وعن غيرهم مروية: «أول الدين معرفته، وكمال معرفته توحيده».
المعرفة الحاصلة عبر خلقه وصنعه وأسمائه، هي معرفة، ولكن كمال المعرفة قد يتحقق عبر التأمل والتعقل عبر توحيده، فلذا الله سبحانه وتعالى في مقام تعريف ذاته يقول: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾.
وعن الإمام الرضا «عليه السلام» كتب للسائل: «بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الملهم عباده الحمد، وفاطرهم على معرفة ربوبيته». (وهنا معناه المعرفة الحاصلة بالفطرة).
«الدال على وجوده بخلقه». (وهذه أن المعرفة، وذات إجمال أكثر)..
«المستشهد آياته على قدرته». (وهذه المعرفة ذات تفصيل أكثر، ولكن ليست كاملة).
«أول الدين معرفته، وكمال المعرفة توحيده، وكمال التوحيد نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة الموصوف أنه غير الصفة». (وفي بعض الروايات يقول المعصوم: لشهادة العقول.. وهو يدل على استعمال العقل في الله للوصول على معرفة الله).
شهادتهما جميعاً على أنفسهما بالبينة الممتنع منها الأزل، فمن وصف الله فقد حده، ومن وحده فقد عده.. وهو فوق ما يصفه الواصفون»(7).
فإذاً نحن برأس المال الأولي يعني المعرفة الإجمالية بواسطة استعمال العقل وإرشادات الثقلين نستطيع أن نحصل ونصل إلى معرفة الله عز وجل، والإمام الرضا «عليه السلام» في مجلس المأمون(8) في حديث طويل يأتي بالبيان عن معرفة الله وكل كلامه مستند على الأدلة العقلية، هو «عليه السلام» يبدأ من التوحيد ـ الذي هو ذاته ـ ويستنتج الأمور العقلية التي هي فريدة من نوعها..
هنا أطلب من سماحتكم، إذا صح هذا التفسير، فنعم المطلوب، وإذا كان فيه غلط، أو انحراف فأرشدوني إلى الطريق الصحيح..
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله.