بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم..
سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي دامت بركاته..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرفع إلى مقامكم العالي السؤال والاستفسار الآتي ونأمل من سماحتكم الإجابة والتوضيح والتوجيه في الفهم..
الحديث الوارد في كتاب الكافي في الأصول ـ كتاب الحجة ـ باب الاضطرار الى الحجة ج1 ص174 الحديث الخامس:
عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبَانٍ قَالَ أَخْبَرَنِي الْأَحْوَلُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ «عليه السلام» بَعَثَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ لِي يَا أَبَا جَعْفَرٍ مَا تَقُولُ إِنْ طَرَقَكَ طَارِقٌ مِنَّا أَ تَخْرُجُ مَعَهُ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ إِنْ كَانَ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ خَرَجْتُ مَعَهُ قَالَ فَقَالَ لِي فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ أُجَاهِدُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَاخْرُجْ مَعِي قَالَ قُلْتُ لَا مَا أَفْعَلُ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ فَقَالَ لِي أَ تَرْغَبُ بِنَفْسِكَ عَنِّي قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنَّمَا هِيَ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِي الْأَرْضِ حُجَّةٌ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْكَ نَاجٍ وَالْخَارِجُ مَعَكَ هَالِكٌ وَإِنْ لَا تَكُنْ لِلهِ حُجَّةٌ فِي الْأَرْضِ فَالْمُتَخَلِّفُ عَنْكَ وَالْخَارِجُ مَعَكَ سَوَاءٌ قَالَ فَقَالَ لِي يَا أَبَا جَعْفَرٍ كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَ أَبِي عَلَى الْخِوَانِ فَيُلْقِمُنِي الْبَضْعَةَ السَّمِينَةَ وَيُبَرِّدُ لِيَ اللُّقْمَةَ الْحَارَّةَ حَتَّى تَبْرُدَ شَفَقَةً عَلَيَّ وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَيَّ مِنْ حَرِّ النَّارِ إِذاً أَخْبَرَكَ بِالدِّينِ وَلَمْ يُخْبِرْنِي بِهِ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنْ شَفَقَتِهِ عَلَيْكَ مِنْ حَرِّ النَّارِ لَمْ يُخْبِرْكَ خَافَ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَقْبَلَهُ فَتَدْخُلَ النَّارَ وَأَخْبَرَنِي أَنَا فَإِنْ قَبِلْتُ نَجَوْتُ وَإِنْ لَمْ أَقْبَلْ لَمْ يُبَالِ أَنْ أَدْخُلَ النَّارَ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْتُمْ أَفْضَلُ أَمِ الْأَنْبِيَاءُ قَالَ بَلِ الْأَنْبِيَاءُ قُلْتُ يَقُولُ يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً لِمَ لَمْ يُخْبِرْهُمْ حَتَّى كَانُوا لَا يَكِيدُونَهُ وَلَكِنْ كَتَمَهُمْ ذَلِكَ فَكَذَا أَبُوكَ كَتَمَكَ لِأَنَّهُ خَافَ عَلَيْكَ قَالَ فَقَالَ أَمَا وَاللهِ لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ لَقَدْ حَدَّثَنِي صَاحِبُكَ بِالْمَدِينَةِ أَنِّي أُقْتَلُ وَأُصْلَبُ بِالْكُنَاسَةِ وَإِنَّ عِنْدَهُ لَصَحِيفَةً فِيهَا قَتْلِي وَصَلْبِي فَحَجَجْتُ فَحَدَّثْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ «عليه السلام» بِمَقَالَةِ زَيْدٍ وَمَا قُلْتُ لَهُ فَقَالَ لِي أَخَذْتَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ وَمِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ وَلَمْ تَتْرُكْ لَهُ مَسْلَكاً يَسْلُكُهُ.
قال العلامة المجلسي «رحمه الله» عن الحديث في كتاب مرآة العقول ج2 ص277: موثق كالصحيح.. وقال عن الحديث العلامة البهبودي في كتاب صحيح الكافي ج1 ص23: صحيح.
سؤالي عن:
1 ـ المحاورة بين زيد بن على بن الحسين «عليه السلام» وبين شخصية أبي جعفر، مؤمن الطاق، من أتباع الأئمة في مسألة الإمامة، والاعتقاد بها.. فزيد بن علي «رضي الله عنه» لا يعتقد بالإمامة، ولا يعرفها. وهذا واضح من خلال قوله:
كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَ أَبِي عَلَى الْخِوَانِ فَيُلْقِمُنِي الْبَضْعَةَ السَّمِينَةَ وَيُبَرِّدُ لِيَ اللُّقْمَةَ الْحَارَّةَ حَتَّى تَبْرُدَ شَفَقَةً عَلَيَّ وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَيَّ مِنْ حَرِّ النَّارِ إِذاً أَخْبَرَكَ بِالدِّينِ وَلَمْ يُخْبِرْنِي بِهِ.
هل لم تصله النصوص والأخبار عن آبائه «عليهم السلام» ولم يخبره أبوه مولانا علي بن الحسين «عليه السلام»، أو لم يفهمها، وهو ليس بعامي أو جاهل، بل مقامه عظيم، ومكانته عالية،وقدره كبير، ثم يخرج منه تصريح بهذه القوة متوج بإلزام عقلي، مفحم منطقي.
2 ـ قول مولانا الإمام الصادق «عليه السلام»: أَخَذْتَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ وَمِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ وَلَمْ تَتْرُكْ لَهُ مَسْلَكاً يَسْلُكُهُ.
ظاهر كلام الإمام الصادق «عليه السلام» فيه طعن أو غمز في شخصية زيد الشهيد..
فما هو تفسير هذا الحدث؟![1].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإن رواية الكافي المذكورة في السؤال لا تدل على أن زيداً لا يعتقد بالإمامة ولا يعرفها..
غاية ما هناك: أنه لم يكن يريد التصريح بأي شيء يمس الإمام الصادق «عليه السلام»، إلا ما صرح به، من أن الإمام الصادق «عليه السلام» أخبره بما يجري عليه، وأن عنده صحيفة فيها قتله وصلبه.. الأمر الذي يشير إلى تصديقه بما أخبره به الإمام الصادق «عليه السلام»، وبأن لدى الإمام الصادق «عليه السلام» صحفاً فيها أمور غيبية لا يملكها زيد، ولا غيره..
فاختصاص الإمام بما ليس لدى الآخرين لا يخلو من إلماح إلى علم الإمامة.
على أن ظاهر الرواية: أن زيداً ـ كما قلنا ـ كان يتحاشى زج الإمام في مشروعه، لاسيما وهو يعلم أنه مقتول ومصلوب.
والفقرة التي استشهد بها السائل: لا تدل على أكثر من أنه يريد أن يثبت أنه كان موضع عناية أبيه، وأن المفروض أن يكون أبوه الإمام العارف بما يجب عليه تجاه ابنه أن يكون قد عرَّفه أحكام دينه، ورباه تربية صالحة.
وهذا يعني: أن على أبي جعفر الأحول: أن يثق بأن زيداً قد احتاط لدينه، وسد الثغرات الدينية، وأخذ الإذن الشرعي بهذا القيام، وأصبح معذوراً أمام الله، وصار كل من يقوم معه ـ أي مع زيد ـ معذوراً أيضاً.
أما الفقرة الثانية: فلا دلالة على طعن ولا غمز أيضاً في شخصية زيد الشهيد، لأنها بصدد الحكم على مسار الحوار، وأن أبا جعفر كان هو الأقوى حجة، بالقياس إلى ما احتج به زيد. وأنه أخذ عليه جميع المسالك في الاحتجاج.
لكن ذلك لا يمنع من أن ينعكس الأمر لو أن زيداً قرر تغيير وجهة الحوار، بأن اختار أن يخبر الأحول مثلاً: بأنه قد استأذن الإمام الصادق «عليه السلام» فيما يقدم عليه.
ويبدو لنا: أن الإمام الصادق «عليه السلام» أيضاً قد آثر التكتم على هذا الأمر، فتناول ما جرى من زاوية الحكم على مسار الحوار فقط.. ربما كان أيضاً يريد أن يبقى ذلك طي الكتمان. ولا يظهر إلا حين الحاجة إلى إظهاره.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
جعفر مرتضى العاملي
|