• الموقع : سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي .
        • القسم الرئيسي : مختارات .
              • القسم الفرعي : نصوص .
                    • الموضوع : نقش خاتم الإمام الصادق عليه السلام .

نقش خاتم الإمام الصادق عليه السلام

 

لقد عاش الإمام الصادق «عليه السلام» في عهد ضعف الأمويين نسبياً، وانشغالهم بحروب الخوارج وغيرهم: تلك الحروب هدتهم، وزعزعت الثابت من أركان حكمهم.

وعايش أيضاً: إنطلاقة الدعوة العباسية، التي استطاعت ثل العرش الأموي، المتهاوي وقضت عليه، وحطمته نهائياً، حيث تربع العباسيون على سدة الحكم والسلطان، وأخذوا في تثبيت قواعد حكمهم وتدعيمها بكل ما يقدرون عليه.

ثم لما اشتد ساعدهم، وقويت شوكتهم، عدوا على أبناء عمهم أئمة أهل البيت «عليهم السلام» وشيعتهم، يوسعونهم قتلاً وعسفاً وتشريداً، لأنهم رأوا فيهم خطراً يتهدد وجودهم في الحكم، أو يحدَّ من فعالية هذا الوجود فيه.

وبعد هذا.. فإن توضيح نقوش الخواتيم المختلفة التي كان يتختم بها الإمام الصادق «عليه السلام» في الأحوال المختلفة، يمكن أن يكون على النحو التالي:

ألف ـ لقد عاصر الإمام الصادق «عليه السلام» فترة ضعف الأمويين، وأفول نجمهم، وفترة نشوء الدولة العباسية، التي كانت في بداياتها تعاني من الضعف والإهتزاز أيضاً.

أي أن أولئك كانوا قد ضعفوا، وهؤلاء لم يقووا بعد.

من أجل ذلك نلاحظ: أنه «عليه السلام» لا يتختم آنئذٍ بالخاتم الذي كان نقشه:

«العزة لله».

أو «العزة لله جميعاً».

وإنما يتوجه اهتمامه إلى مواصلة التذكير بجريمة الأمويين النكراء، بحق خامس أصحاب الكساء «عليهم السلام»؛ لإعطاء المثل الحي للأمة، كل الأمة. ومواصلة الإعلان: بأنه إذا كان الحاكم لا يرجع إلى دين، ولا ينتهي إلى وجدان، فإنه يكون أشرس المخلوقات وأخزاها، ويكون على استعداد للإقدام على كل جريمة، وارتكاب كل عظيمة في سبيل أغراضه الشخصية، ومآربه وغاياته اللاإنسانية.. وأن الأمة، كل الأمة لتتحمل وزر السماح لأمثال هؤلاء بالتحكم بمقدراتها، والتسلط على الأمور فيها.

ولعل ذلك: هو بعض ما يرمي إليه «عليه السلام» من تختمه بخاتم جده الإمام الحسين «عليه السلام»، المنقوش عليه:

«لا إله إلا الله عدة للقاء الله»(1).

وأما لماذا لم يتختم بخاتمه الآخر، المنقوش عليه:

«إن الله بالغ أمره».

فلعله من أجل أن الأوضاع السياسية المتقلبة، التي تعاني منها الأمة، تحتاج للمزيد من الربط بالله، والتأكيد على وحدانيته سبحانه. ليفهم الناس أن هذا التوحيد الخالص هو الذي من شأنه أن يحدد الموقف الصحيح والسليم، الذي يهب الحياة الحقيقية بأسمى معانيها للناس، كل الناس.

وما دام الناس مبتعدين عن هذا المعنى، فإن عليهم أن يتحملوا مرارة الإنحراف الذي يساهمون هم أنفسهم، في إيجاده، أو على الأقل في قوته واستمراره.

ب ـ وبعد كل ذلك: فإن تحولات الأمور في غير صالح الحكم الأموي في حروبه مع الخوارج وغيرهم.. ثم رفع العباسيين شعارات الأخذ بثارات العلويين، والدعوة للرضا من آل محمد «صلى الله عليه وآله»، ودراسة الأمور دراسة موضوعية ـ إن ذلك كله ـ يعطي: أن الأمور تتجه، إلى تغيرات عميقة، وتحولات هامة، على الصعيد السياسي، والفكري، والإجتماعي، وغير ذلك.

ولكنها على أي حال: ـ تحولات ـ لم تكن لصالح أهل البيت «عليهم السلام»، الذين يمثلون القيادة الإلهية الحقيقية والواعية للأمة.. وإن توهم الكثيرون ذلك.

وأما هذا التوجه الظاهري من قبل الناس نحو أهل البيت «عليهم السلام»، فلا يمكن أن يمثل قوة يصح الإعتماد عليها، للقيام بحركة إصلاحية تهدف إلى تصحيح الأوضاع جذرياً، لصالح الدين والأمة، لأنها لم تكن ناشئة عن وعي عقائدي مركز، وإنما كانت عواطف صادقة أحياناً، وغير صادقة أحياناً أخرى؛ لاستنادها إلى خلفيات ذات طابع شخصي أو قبلي، أو غير ذلك.

فهي إذن: لا تقوى على مواجهة التحدي المبدئي والعقيدي، إن لم نقل: إنها سوف ترتد لمواجهة التحدي بمثله، ولتجهض من ثم كل الجهود، ويذوي الأمل، وتجف المنى.

فهذه القوة الظاهرية إذن: ليست هي القوة التي يمكنهم الإعتماد عليها، والإستناد إليها. لأنها ليست مستندة إلى الله سبحانه، ومن الواضح أنه:

«لا قوة إلا بالله».

ج ـ وقد كانت هذه الظروف زاخرة بالمغريات، غنية بما يذكي الطموح للدخول في حمأة السياسة، ولاسيما مع وجود كثير من العروض السياسية ـ من قبل دعاة العباسيين، وإغراءاتهم ـ التي فرضتها أسباب قاهرة فرضت نفسها، أوضحنا جانباً منها في كتابنا: «الحياة السياسية للإمام الرضا عليه السلام»، فكان لابد للإنسان الواعي، الذي يحمل هم الإسلام من أن يكبح جماح طموحاته ما دام أنه يعلم: أنها لن تنتهي إلى ما ينفع الإسلام والإنسان، يكبحها باللجوء إلى الله، وطلب المغفرة منه سبحانه..

ومن خلال ذلك كله: ندرك بعمق مغزى كون نقش خاتمه عليه الصلاة والسلام، العبارات الثلاث التالية:

«ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، استغفر الله»(2).

وأن يكون نقش الخاتم الآخر ـ على الظاهر ـ :

«الله خالق كل شيء»(3).

د ـ هذا.. وقد كان لابد للإمام الصادق «عليه السلام» من أن يواصل المسيرة، وأن يستمر في تحمل أعباء نشر الإسلام، وتعليم الناس الأحكام، وها هو الآن قد سنحت له الفرصة أكثر من غيره من الأئمة «عليهم السلام»، وذلك بسبب ضعف الدولتين اللتين عاصرهما وعاين فترة الأفول والنشوء لهما..

فمن الطبيعي: أن يـدعـو الله سبحـانـه، الذي هو ثقته وملجؤه في المهمات: أن يسهل له هذه المهمة، وأن يقيه شر الأعداء، فيكون نقش خاتمه:

«رب يسر لي، أنت ثقتي، فقني شر خلقك»(4).

هـ ـ وإذا كان لابد من رفض ولاية الطاغوت، والإلتزام فقط بولاية الله سبحانه وتعالى، وإذا كان العباسيون بعد أن وصلوا إلى الحكم، وقضوا على الأمويين، وأحكموا أمورهم، وثبتوا قواعد ملكهم قد تفرغوا لأبناء عمهم آل علي «عليه السلام» ولشيعتهم، وكان همهم مصروفاً للتخلص منهم، فكان أن تعرض حتى الإمام الصادق «عليه السلام»، لكثير من المضايقات والتهديدات والمحاولات الجادة من قبل المنصور العباسي للتخلص منه حتى جسدياً، وهو ما نجح به أخيراً.

فإننا نجد: أن نقش خاتمه قد جاء منسجماً مع ذلك كله، وهو:

«الله وليي، وهو عصمتي من خلقه»(5).

وفي بعض النصوص:

«اللهم أنت ثقتي، فقني شر خلقك»، أو ما بمعناه(6).

______________

([1]) أمالي الصدوق ص116 وراجع ص128 والبحار ج43 ص247 و248 وسفينة البحار ج1 ص377.

(2) الفصول المهمة لابن الصباغ ص209 وكشف الغمة للأربلي ج2 ص370 ونور الأبصار ص145 والبحار ج47 ص10.

(3) الكافي ج6 ص473 والوسائل ج3 ص408 والبحار ج47 ص10 عن مصباح الكفعمي ص522.

(4) دعائم الإسلام ج2 ص165.

(5) راجع مصادر الحديث الجامع المتقدم عن الإمام الرضا «عليه السلام» في أوائل هذا البحث, بالإضافة إلى البحار ج47 ص8.

(6) البحار ج 47 ص10 و11 عن العدد وغيره ومكارم الأخلاق ص89 و91 والكافي ج6 ص473 والوسائل ج3 ص410 ومسند الإمام الرضا ج2 ص363 وتاريخ جرجان ص418 و419.

المصدر: كتاب نقش الخواتيم لدى الائمة عليهم عليهم السلام

 


  • المصدر : http://www.al-ameli.com/subject.php?id=812
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 06 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19