حوار مع العلوي 2
جوابنا على مجلة المجتمع الكويتية
السيد جعفر مرتضى العاملي
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد: فقد نشرت مجلة المجتمع الكويتية مقالاً تتهجم فيه على الشيعة لأنهم يحتفلون عيد الغدير وأنكرت أن يكون ذلك جائزاً شرعاً، واعتبرته بدعة وطعناً في نزاهة الصحابة الذين لا يعقل أن يتواطؤا على خلاف الرسول الأعظم(ص) وقالت إنه ليس إلا عيدان: الفطر والأضحى وخوّفت من الفتنة المترتبة على أمور كهذه.
كما انها قد ادعت أن الأمة قد أجمعت على عدم النص وعلى هذا الترتيب: " أبو بكر، عمر، عثمان، علي " وقالت: إن قضية الغدير لا يثبتها أهل السنة وإنما هي رواية شيعية، وحتى لو صح فإنه لا يدل على مطلوب الشيعة واستشهدت بإنكار الحسن المثنى لدلالة الحديث، كما أنها أوردت أيضاً الرواية التي قال البخاري إنها جرت بين العباس وعلي حول سؤالهما النبي(ص) عن أمر الخلافة بعده، كما انها قد دعمت دعواها تلك بالقول بأن علياً لم يستخلف أحداً بعده.
فكتبنا الرد الآتي على تلك المجلة ولكنه لم يرسل ولم ينشر كله على اعتبار أن بعض الأخوة قد رأى فيه قسوة بالغة.. ولذا فنحن ننشره بتمامه وكما هو على أمل أن يرجع القارئ إلى الكتب المتكفّلة لبحث موضوع الخلافة بعد النبي(ص) كالمراجعات ودلائل الصدق ليتضح له صحة وسلامة موقفنا الذي سجلناه في هذه الرسالة، والرسالة هي التالية:
رسالة مفتوحة إلى مجلة المجتمع الكويتية
الأستاذ المشرف على مجلة المجتمع المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإنكم دائماً تلوحون بالعصا السحرية، وتعتبرونها كل شيء، فهي حلال المشاكل عندكم.. هذه العصا السحرية هي خوف الفتنة !!
عجيب !!..
لماذا تخافون الفتنة ؟!
إن الفتنة إذا لم تصنعوها أنتم فمن ذا الذي يصنعها ؟
وإذا لم تثيروها أنتم فليس على وجه الأرض أحد يثيرها.. وها انتم تعتبرون الشعائر الدينية التي تمارسها أمة من المسلمين منذ ألف وأربعمائة سنة خطة مرسومة.. ولكنكم لا تعتبرون أن حملتكم المسعورة هذه خطة رسمها لكم اسيادكم الذين يمدونكم بالمال ويجعلونكم أداة للفتنة ووسيلة لإثارة النعرات.. وذلك حينما أجزتم لأنفسكم أو أجاز لكم اسيادكم التجريح والإهانة ومساس عواطف أكثر من (150) مليون مسلم..
ولست أدري كيف أجمعت الامة على هذا الترتيب: (أبي بكر وعمر، عثمان وعلي) ؟.
.. ونحن نرى أن هذا الترتيب إنما وضعه معاوية باستثناء علي (عليه السلام)، والحق به علي (عليه السلام) في الدولة العباسية وبقي يتأرجح في الأمة الإسلامية طيلة ما يقرب من مائتي سنة ولم يحص أي إجماع عليه ولا على غيره وهذه كتب الفرق والمقالات كمقالات الإسلاميين للأشعري والفرق بين الفرق للبغدادي والملل والنحل للشهرستاني وفرق الشيعة للنوبختي وغيرها تنادي وتقول إن أكثر الفرق الإسلامية من عهد الصحابة وحتى الآن لا تعترف بهذا الترتيب ولا تعول عليه.. نعم هو قد أصبح مذهب الدولة في وقت ما في القرن الثالث الهجري.
وأما بالنسبة للصحابة فلعمري لا تلامون فيهم بعد أن اعتبرتموهم معصومين ومنزهين خلافاً لصريح عشرات الآيات القرآنية وعشرات الأقوال النبوية فيهم.
وإذا كان عيد الغدير: يعتبر طعناً في نزاهة الصحابة.. فإن عدم الاعتراف بعيد الغدير يعتبر طعناً في نبوة النبي(ص) نفسه وتكذيباً للقرآن نعوذ بالله من الخذلان والزلل في القول والعمل.
ولقد أنكرتم عيد الغدير واعتبرتموه بدعة !!، وقلتم: ليس إلا عيدان: الفطر والأضحى، ولعمري لقد احتفلتم قبل أيام بعيد الهجرة وتبادلتم رسائل وبرقيات التهاني ونشرت مجلتكم الكلمة التي وجهها الوزير الكويتي بهذه المناسبة كما أنكم تعتبرون يوم المولد النبوي عيداً أيضاً وتحتفلون في عيد الاستقلال إلى غير ذلك مما لا مجال لذكره.
ولم نكن نعلم أنه حتى الأعياد عندكم توقيفية حتى رأيناكم تحكمون على عيد الغدير بأنه مخالفة شرعية.
وأغرب من ذلك أنكم قلتم: إن قضية الغدير لا يثبتها أهل السنة لا رواية ولا دراية ولو أنكم قرأتم كتاب الغدير للعلامة الأميني (رحمه الله)، أو قرأتم كتاب دلائل الصدق للمظفر، أو كتاب المراجعات للسيد شرف الدين أو غير ذلك من الكتب التي تعالج موضوع الخلافة بعد الرسول(ص)، لكان ذلك أغناكم عن هذه الفرية المفضوحة، ولعلمتم أن المئات من المصادر السنية المعتبرة بل والتي تعد أوثق الصادر عندكم تثبت هذه القضية ولرأيتم أن هذه القضية ليس فقط متواترة في كتبكم بل هي من ضروريات مذهبكم ولاطلعتم على ان الكثيرين من علمائكم يصححونها على طريقتكم.
هذا على رغم اعترافكم بصحة ما نقلتموه عن ابن عساكر، وأما قصة إنكار الحسن المثنى لدلالة الحديث فأولاً: إنه لابد وأن يكون قد خاف من الإظهار في دولة كلها تريد الولوغ في دماء أهل البيت الأطهار وشيعتهم الأخيار..
وثانياً: إنه لا يبعد أن تكون قضيته مفتراة تعمد الوضاعون أن تكون على لسان أحد أهل البيت لأن ذلك يكون أوقع في النفس وذلك مما يتعمدّه الوضاعون عادة حتى لتجدهم يضعون على لسان علي بعض الفضائل لأبي بكر، وقد ذكر في الغدير 67 حديثاً مفتعلاً في فضل أبي بكر على لسان علي (عليه السلام)..
كما أنكم قد نقلتم الحديث مبتوراً، ولا نشك في أنكم قد تعمدتم ذلك فإننا قد تعودنا منكم تحريف الكتب والروايات وحذف ما ترونه مضراً بمصلحتكم من طبعاتها المختلفة.
وبعد ما تقدم كيف تقولون: قد اجتمعت الأمة على عدم النص، فما قيمة إجماعكم هذا ونحن نرى أن النص على علي (عليه السلام) يملأ كتبكم وتضيق به مجاميعكم وإن النص عليه كان معروفاً وشائعاً بين الصحابة أنفسهم، بل وقد اعترف به الخوارج أعداء علي عليه السلام، فكان مما احتجوا به على علي (عليه السلام) قولهم زعم أنه وصي فضيع الوصية كما ذكره اليعقوبي وغيره.
وقد احتج علي عليه السلام بالنص يوم الشورى واحتج بحديث الغدير نفسه كما أنه استشهد عليه في الرحبة بالكوفة وشهد له به عدد كبير من الصحابة منهم 12 أو 18 بدرياً أو غير ذلك حسب اختلاف النقول..
وأما الرواية المجعولة بين العباس وعلي فتكذبها كل مواقف علي وأقواله وأفعاله.. وإن كانت قد وردت في صحيح البخاري الذي هو قرآنكم الحقيقي وتؤولون القرآن ليوافقه وينطبق عليه فإنه قد طعن في مئة وعشرة أحاديث منه وقد ضعف من رجاله أكثر من ثمانين رجلاً منهم من اتهم بالكذب والوضع.. ومنهم من هو من القدرية مثل كهمس وسفيان بن سليمان وإضرابهم ويكفيه أنه يروي عن عمران بن حطان الذي مدح ابن ملجم في قوله:
يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرض رضواناً
هذا عدا عن اشتماله على أحاديث التجسيم والإسرائيليات وغير ذلك مما ينكره العقل والتاريخ ويخالف القرآن كما لا يخفى على من راجعه.
ويبقى لنا أن نشير إلى ما ذكرتموه من عدم استخلاف علي عليه السلام حين موته ونحن نقول:
إنه لا داعي بل لا معنى لاستخلافه عليه السلام بعد أن كان الحسن عليه السلام قد نص عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونصبه وأخاه الحسين عليه السلام للإمامة والخلافة عندما قال:
"الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا".
ومع ذلك فقد ذكر في العقد الفريد: ج4 ص474 عن الهيثم بن عدي، قال: "حدثني غير واحد ممن أدركت من المشايخ ان علي بن أبي طالب عليه السلام أصار الأمر إلى الحسن..".
وعن شرح النهج للمعتزلي: ج1 ص57 قال عن الخلافة: "وعهد بها إلى الحسن عليه السلام عند موته".
وقال ابن عباس عند موت علي عليه السلام: "هذا ابن بنت نبيكم ووصي إمامكم" ثم طلب منهم البيعة له.
وذكروا أن جندب بن عبد الله دخل على علي عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين إن فقدناك فلا نفقدكم فنبايع الحسن قال نعم.. مناقب الخوارزمي: ص278.
وقال ابن كثير: "الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلافتهم محققة بنص حديث (سفينة الخلافة بعدي ثلاثون سنة) ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع، لأن علياً أوصى إليه وبايعه أهل العراق..". البداية والنهاية: ج6 ص249.
وفي الاغاني إنه لما أتى أبا الأسود نعى أمير المؤمنين وبيعة الحسن قام أبو الأسود خطيباً إلى أن قال أبو الأسود.
" وقد أوصى بالإمامة بعده إلى ابن رسول الله وابنه وسليله وشبيهه في خلقه وهديه.. الخ". قاموس الرجال: ج5 ص172.
وفي الخرائج والجرائح ما يدل على ذلك أيضاً.
وفي إثبات الوصية للمسعودي: ص152 أنه عليه السلام قال: " وإني أوصى إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا أمرهما ".
وبعد هذا.. فقد ذكر صاحب كتاب منتخب الاثر: 50 حديثاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نقلها عن كتب أهل السنة والشيعة يذكر فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الأئمة الاثنى عشر بأسمائهم.
ونقل عن سليم بن قيس وصيته عليه السلام لولده الحسن عليه السلام أيضاً وأنه دفع إليه كتبه وسلاحه كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أوصى إليه هو. (راجع البحار: ج10 ص89). وفي إثبات الهداة: ج5 ص140 إنه عليه السلام لما ضربه ابن ملجم قال للحسن: " وأنت يا حسن وصيي والقائم بالأمر بعدي ".
وفي أنساب الأشراف طبع الأعلمي: ص502-504 ما يدل على ذلك أيضاً.
وقال الشيخ آل ياسين في كتابه: صلح الحسن(ع):
"وأمره أبوه أمير المؤمنين(ع) – منذ اعتل – أنه يصلي بالناس وأوصى إليه عند وفاته قائلاً: "يا بني أنت ولي الأمر" وأشهد على وصيته الحسين(ع) ومحمداً وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ودفع إليه الكتاب والسلاح، ثم قال له: "يا بني أمرني رسول الله(ص) أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلى رسول الله(ص) ودفع إلي كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك، إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين".
واما عدم صراحة حديث الغدير، فذلك أمر غريب حقاً، وقد بحث هذه النقطة العلامة الأميني والمظفر وشرف الدين وغيرهم، ولقد احتار الرسول(ص) مع هؤلاء القوم فإنه كما يظهر من تتبع كلماته لم يبق أسلوباً ولا طريقة ولا تصريحاً ولا كناية ولا غير ذلك إلا استعمله أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة ليدل على نصبه علياً (عليه السلام) بعده ولكنهم مع ذلك لا يزالون يمارون في ذلك ولسنا نعرف أسلوباً لم يتبعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك اصلاً.. هذا عدا على أنه قد نصب له (عليه السلام) في عيد الغدير خيمة وتوافد عليه الصحابة للتهنئة، وكان الشيخان من جملة المهنئين. وعدا عن أنه صرح بأنه وزيره ووصيه وخليفته من بعده حين نزلت آية: ﴿وانذر عشيرتك الأقربين﴾ إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.
وإذا كان الأمر يتعلق بغير علي (ع) فهناك تكون البسمة والجلسة المشية والسكوت والكلام وكل شيء إشارات ودلالات على الخلافة فتبارك الله أحسن الخالقين.
وأما عن تواطئ الصحابة على خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلعمري إنها للحجة الواهية، فيمكن أن يكون ذلك لتأويل من بعضهم كما أولتم، وانحراف من الآخرين، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أخبر عن هذا الانحراف وذلك في العديد من الأحاديث الواردة في صحاحكم حسبما تدل عليه روايات الحوض وغيرها. كما فصلناه في مقالنا: "الصحابة في القرآن والسنة".
وأما مخالفتكم لنص القرآن فيكفي أن نذكر لكم مثالاً واحداً هنا وهو آية الوضوء التي تنص على مسح الأرجل فخالفتم ذلك، وقلتم بغسلها.. وأما عقائد التجسيم والجبر والخضوع لكل متغلب ظالم ونحوها فتلك حدث عنها ولا حرج، وبشاعتها مشهورة للعيان وفظاعتها لا يمكن أن يكتمها اللسان..
وفي الختام فإنا على انتظار لان تكونوا على مستوى أعلى من الوعي خصوصاً وانكم تدعون أنكم تقارعون الكفر، وتحاربون الطغيان والانحراف.
جعفر مرتضى العاملي