الإمام الهادي عليه السلام والحوزة الساكنة
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة المحقق آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي (دام توفيقه)..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بعد الدعاء لسماحتكم بالمزيد من الصحة والسلامة والخدمة لدين الله المبين وعباده المسلمين, نتمنّى التفضل بالإجابة عن السؤال التالي:
هل كان الإمام عليّ الهادي (سلام الله عليه) رائد ومؤسس الحوزة الساكتة؟ (مع كمال التأسّف لتفشي إطلاق مثل هذه التعابير في عصرنا الحاضر(.
دمتم لكلّ خير.. والسلام عليكم ورحمة الله..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
أولاً: إن الإمام الهادي «صلوات الله وسلامه عليه» هو الإمام المعصوم، الذي لا يتطرق إلى فعله أي عيب، ونقص. ولا يمكن أن يخالف التكليف الإلهي الموجه إليه بحال من الأحوال..
فإن كان ما يريده الله تعالى هو السكوت، فالإمام «عليه السلام» يسكت، حتى لو انتقد ذلك جميع أهل الأرض، ولا يهتم لشيء مما يثيره الكفرة، وأهل البغي والمنافقون. وإن كان ما يريده الله تعالى هو الكلام، والقيام، والمبادرة، فهو أول المتكلمين، والقائمين، والمبادرين.
فمن يريد أن يسجل على الإمام الهادي «عليه السلام» أية مؤاخذة، سواء على السكوت، أو على القيام.. فلابد أن يكون من الذين لا يقرون له بمقام الإمامة والعصمة..
وعلينا أن نقتصر في حديثنا معه على هذين الأمرين. ولا يصح إفساح المجال له للدخول في مثل هذه التفاصيل..
ثانياً: ما المراد بهذا السكوت المنسوب إلى الإمام الهادي «عليه السلام»؟
فإن كان المراد به: أنه «عليه السلام» اعتزل الساحة ليتفرج على الآخرين كيف يعبثون بها، ويديرونها، ويقضون على كل نبضات الحياة فيها، فهذا أمر غير صحيح ولا مقبول، فإن جهده وجهاده «عليه السلام» وشيعته في سبيل التوعية، وتصحيح الأوضاع في حدود ما يملكونه من وسائل وإمكانات.. إن هذا الجهد والجهاد موجود ومشهود، ولا يمكن لأحد أن يطفئ ناره، ولا أن يعفي آثاره..
وإن كان المقصود به: أنه «عليه السلام» لم يبادر إلى أعمال متهورة وغير مدروسة، ولا تنتج إلا المأساة، ولا حصيلة لها إلا هدر الطاقات، وتبديد القدرات.
فالإمام «عليه السلام» بهذا المعنى: ساكت بلا شك، ويشاركه في هذا السكوت كل عاقل، ويؤيده فيه كل ذي حجى..
وإن كان المقصود بالسكوت هو: اعتزال ساحات القتال، فمن المعلوم أن القتال ليس هدفاً، بل الهدف هو الإصلاح، والصلاح، واقتناص فرص النجاح.
وإن كان المقصود هو: أنه لم يستطع أن يمسك بأزمة الحكم، فمن البديهي أن الإمساك بها ليس هو الصلاح المنشود، ولا الهدف الذي من أجله تبذل الجهود، بل هو وسيلة إليه، لا يتوسل بها إلا حيث تكون مجدية ومؤثرة..
ثالثاً: إن عدم القتال، حيث لا يجدي القتال ليس من مظاهر الوهن، ولا من موجبات الانتقاص، إذ لو أوجب ذلك، لدخل الأنبياء «عليهم السلام» وسائر الأوصياء في قفص الاتهام. لأنهم قد سكتوا جميعاً في أكثر أيام حياتهم، ولم يتمكنوا من جمع الجموع، وتجييش الجيوش لقتال الطغاة، واكتفى كثير منهم بالتربية والتوعية، والتبشير والإنذار للناس.
بل إن الإمام الحسين «عليه السلام» نفسه قد قضى عشرات السنين من حياته ساكتاً عن حرب الغاصبين والظالمين، وذلك حين كانت الحرب لا تجدي، لا في تغيير مسار الأحداث، ولا في إيقاظ الأمة، بل كان ضررها أكثر من نفعها..
كما أن هذا النوع من الاتهامات الزائفة يتناول الإمام علياً «عليه السلام» الذي سكت خمساً وعشرين سنة عن حقه وحق الأمة المغتصب، ولم يباشر حرباً، ولا طعناً ولا ضرباً، فضلاً عن سائر الأئمة الأطهار، وخصوصاً الإمام المهدي «عجل الله تعالى فرجه الشريف».
فلماذا خص السائل هذا الاتهام بالإمام الهادي «عليه السلام»، دون آبائه وأبنائه حتى الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه؟!
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
*المصدر: مختصر مفيد.