لقد كرمنا بني آدم
لقد كرمنا بني آدم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى حفظه المولى..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
سؤال في التفسير، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}([1]).
هل يمكننا أن نستفيد من هذه الآية أن بني آدم ليسوا أفضل مخلوقات الله.
لأن الله تعالى في هذه الآية يقول: إنه فضلهم على كثير ممن خلق، لا على جميع الخلق، وهذا يعني أن هناك قلة لم يفضل الله تعالى بني آدم عليها.
وبذلك يثبت أن هذه القلة إما أفضل من بني آدم أو مساوية لهم في الفضل على أقل تقدير؟! نرجو منكم توضيح ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب :
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإن من حكمة الخلق وتدبيره، بلحاظ أهدافه، تُحتِّم أن يكون ثمة موجود عاقل مختار، يتولى إعمار هذا الكون، وإيصاله إلى كماله، الذي أراده الله تعالى له، فكان هو هذا الإنسان، آدم وذريته، بكل خصائصه، وحالاته..
كما أن العلم والحكمة والتدبير يفرض التكريم لهذا الموجود، وذلك بإفاضة النعم التي تتناسب مع طبيعة تكوينه، ومع خصائصه الوجودية، ومع أهداف هذا الوجود، وحركته في صراط التكامل..
وطبيعي أن ذلك يحتاج إلى توجيه ورعاية، وإلى بصيرة وهداية تمكنه من توظيف نعمتي العقل والاختيار، فيما يخدم تلك الحركة التي تتم في نطاق تلك الأهداف..
وهذا يفسر لنا حتمية إكرام هذا العاقل المختار المؤهل لنيل تلك الأهداف والوصول إلى تلك الغايات ـ إكرامه بالتكليف، واعتباره أهلاً للخطاب الإلهي، الأمر الذي يستدعي من الإنسان نفسه، الكون في موقع الشكر والطاعة، والتزام خط الاستقامة، والسعي لنيل المزيد من مقامات القرب والزلفى.
وهذا الكرم والتفضل الإلهي لا يعني حتمية أن يكون جميع بني آدم من الشاكرين، والمطيعين، والقاهرين لشهواتهم، ولغرائزهم، والمضحين بالغالي والنفيس، في سبيل رضا الله سبحانه، مع بداهة أن الإتجاه في هذا الأمر ينافي الاختيار، ويبطل دور العقل.. ولأجل ذلك فإننا لا نستغرب إذا رأينا أن القلة هم الذين كانوا في خط الطاعة والشكر..
أما الأكثر فكانوا كما حكى الله تعالى عنهم:.. عن الحق هم معرضون ـ لا يعقلون ـ. لا يفقهون ـ للحق كارهون ـ وما كان أكثرهم مؤمنين..
ولكن لا ريب في أن وجود تلك القلة الشاكرة، والمطيعة، يكفي لأن يعمَّ الله الناس كلهم بالنعم لأجلهم، وأن يخصهم هم بكرامته ويظهر فضلهم، وأن يباهي بهم ملائكته وسكان سماواته..
بل إن هذا التكريم العام ضروري ولازم، حتى لو لم تكن هناك قلة شاكرة بينهم، وذلك لأجل مصالح عالية أخرى، تقتضي ذلك وتفرضه. وقد تكون من بين هذه المصالح ما يدخل في نطاق التربية، والدعوة، وتقديم العبرة، وإتمام الحجة، ونحو ذلك. وقد يدخل في سياقات أخرى لا يدركها إلا من أكرمه الله من الصفوة من الأنبياء والأولياء..
وقد قدم القرآن لنا أمثلة واقعية لهذا التفضل والتفضيل منه تعالى، وللكفران ونكران الجميل، من جانب بعض الشرائح البشرية. وكان بنو إسرائيل هم المثال الأظهر لذلك، فراجع ما حكاه الله تعالى عنهم في سورة البقرة ابتداء من الآية 40، واقرأ أيضاً قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}([2]).
فاتضح بذلك:
أن التكريم بالنعم، إنما هو بحسب ما تقتضيه مصالح الخلق والوجود، وبحسب استعدادات تلك المخلوقات، وفي نطاق ما لها من مهمات ووظائف..
وأما بالنسبة إلى تفضيل بني آدم على كثير ممن خلقهم الله سبحانه، فقد يمكن الاكتفاء بما أوضحه العلامة الطباطبائي في تفسير الآية، حيث قال:
>قد عرفت أن الغرض منها بيان ما كرم الله به بني آدم وفضلهم على سائر الموجودات الكونية وهي ـ فيما نعلم ـ الحيوان والجن، وأما الملائكة فليسوا من الموجودات الكونية الواقعة تحت تأثير النظام المادي الحاكم في عالم المادة.
فالمعنى: وفضلنا بني آدم على كثير مما خلقنا، وهم الحيوان والجن، وأما غير الكثير، وهم الملائكة فهم خارجون عن محل الكلام، لأنهم موجودات نورية غير كونية، ولا داخلة في مجرى النظام الكوني، والآية إنما تكلم الإنسان من جهة أنه أحد الموجودات الكونية وقد أنعم عليه بنعم نفسية وإضافية..< ([3]) انتهى.
والحمد لله رب العالمين.
جعفر مرتضى الحسيني العاملي