هل السماوات طبقات؟
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي العلامة المحقق السيد العاملي، أطال الله في عمركم.
لدي سؤال يتعلق بمكان السماوات نتيجة لحديث المعراج. فرواية الإسراء والمعراج تتحدث عن أن الرسول كان يرتقي من السماء الأولى إلى السماء الثانية، وبعدها إلى الثالثة، وهكذا دواليك، فهل ذلك يعني أن السماوات مرتبتها مادية فهي تقع فوق رؤوس البشر بمسافات طويلة.
وهل نستطيع أن نقول بأن السماوات هي ما يغلـّـف هذا الكون الفسيح فيكون الكون ـ كما يعبر البعض عنه بأنه ـ طبقات طبقات، مثل البصلة بقشرها؟
وبالنتيجة نقول بأن نزول الملائكة هو نزول مكاني من الأعلى إلى الأسفل؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإن الله تعالى قد قال: إن هناك سماء دنيا (أي قريبة، ودانية) وهناك سماوات عُلى.. ثم دلت الآيات على أن السماوات العلى سبع سماوات.. وذكر تعالى: أن هناك أيضاً عرشاً، وكرسياً، وسدرة المنتهى..
ثم دلت الآيات أيضاً على أن ما نراه من كواكب مضيئة، فهو كله في السماء الدنيا، حتى لو كانت بعيدة عنا مئات آلاف أو ملايين السنين الضوئية، حيث تقدر سرعة الضوء بحوالي ثلاث مائة ألف كيلومتر في كل ثانية..
فقد قال تعالى: {وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ}[1]
وقال: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ}[2]
ثم دلت الروايات على أن السماء الدنيا بالقياس إلى السماء الثانية، كحلقة ملقاة في فلاة، وأن الثانية بالقياس إلى الثالثة، أيضاً كحلقة ملقاة في فلاة، ثم الثالثة في الرابعة كذلك، وهكذا.. إلى سبع.. والسماوات السبع في الكرسي كذلك، والكرسي بالنسبة للعرش كذلك[3]
كما أن الله تعالى قد قال: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا}[4] وقال: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا}[5]
وصرح أيضاً بقوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ}[6]
وقال تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}[7]
وبعد كل هذا الذي ذكرناه من حقائق مثيرة وعظيمة وهائلة نقول:
لا شك في أن الأرض واقعة في محيط السماء الدنيا، في هذه المجرة، ولكن أين هي السماوات السبع، والكرسي، والعرش، وسدرة المنتهى؟!
وكيف يكون موقعها بالقياس إلى الأرض؟!
هل تكون مثل طبقات البصلة التي يحيط بعضها ببعض؟!
أم هي منظومات هائلة من المجرات المختلفة.. يقع بعضها إلى جانب البعض الآخر، على نحو الاستطالة، أو الاجتماع المنتظم في صعيد واحد.. أو التفرق غير المنتظم؟!..
إن تحديد ذلك كله لا يدخل في نطاق قدراتي شخصياً، ولا أدري إن كان ثمة من يستطيع أن يعطي تصوراً حاسماً في هذا المجال، سوى الإمام المهدي المعصوم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطيبين الطاهرين..
غير أن من المقطوع به أن السماء الدنيا محيطة بالأرض، وبكل ما يقع في داخلها.. ولكن إحاطتها لا تعني استدارتها في مجموع تكوينها.. كما أن موقعها بالنسبة إلى سائر السماوات لا يمكن تحديده كم أسلفنا.
وأما بالنسبة للعروج، صعوداً، فهو أمر إضافي، يلاحظ فيه حالة شخص بعينه، في موقع ما، أو جهة بعينها..
وختاماً نقول: إن الحديث عن السماوات وما فيها، ومن فيها، هو مما لا مجال للعقل فيه، بل لا بد من الاعتماد على النقل.
والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..
[1]الآية 12 من سورة فصلت.
[2]الآية 6 من سورة الصافات.
[3]مستدرك سفينة البحار ج5 ص162 والبحار ج25 ص385.
وراجع: الحديث الذي يتكلم عن أن الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة ملقاة في فلاة في المصادر التالية: البحار ج57 ص5 و17 وج77 ص71 و73 عن الأمالي للطوسي وج2 ص138 وعن معاني الأخبار ص233 وعن الخصال ج2 ص103 و104 والدر المنثور ج1 ص328 والكافي ج8 ص154 والتوحيد للصدوق ص277 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص97.
[4]الآية 3 من سورة الملك.
[5]الآية 15 من سورة نوح.
[6]الآية 4 من سورة المعارج.
[7]الآية 47 من سورة الذاريات.