الرياضة والإستعمار
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
إن مما لا شك فيه هو أن الرياضة البدنية أمر محبوب عند الناس ولاسيما الشباب منهم..
بل هي أمر حسن عقلاً وذوقاً، لأنها عامل مهم من عوامل صحة الجسم، وصموده أمام عوادي الزمن، وتقلبات الأيام.
بل هي تؤثر حتى في عقل الإنسان، وسلامته النفسية، حتى لقد قيل:
"العقل السليم في الجسم السليم".
ولكن.. عندما تكون الرياضة عبارة عن ممارسة أمور وحشية من الرياضيين ضد بعضهم البعض، كما هو الحال في رياضة: ( الملاكمة )!!.
وعندما تكون سبباً لهدر الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إليه فيما هو أهم وأغلى.
وأيضاً.. وسيلة لصرف الشباب عن مشاكلهم.. وعن قضاياهم الأساسية والمصيرية في كثير من الأحيان..
وكذلك.. عندما تكون سبباً لدمار شخصية الإنسان، ولسقمه النفسي ولبعث روح الأنانية والغرور فيه.
نعم.. وعندما تكون الرياضة.. في خدمة أهداف الاستعمار، الذي يترصد غفلة شبابنا وأمتنا.. لينقض على ثرواتنا وبلادنا ليبتلعها بكل جشع وشراسة..
عندما تكون الرياضة كذلك – فنحن في غنى عنها، ولسنا بحاجة إليها.. إذ ما جدوى السلامة البدنية، عندما تكون دماراً حقيقياً للنفس، وللخلق، بل وحتى للعقل، وللتفكير الصحيح والسليم..
والذي زاد الطين بله.. والجرح ألماً: أنهم قد أدخلوا القمار في الرياضة أيضاً.. وبدأوا ينظمون له المباريات، ويرصدون له الجوائز!!.
القمار.. الذي يعرض التكوين النفسي للإنسان للخطر – فضلاً عن المال -.. ومن ثم.. فإنه يعصف باستقراره، وباستقرار عائلته، وكل من يتصل به.
القمار.. الذي يتلف الوقت والمال وعقل وشخصية الإنسان، ويجعل مستقبله ومستقبل كل من يمت إليه بصلة، على كف عفريت، وفي مهب الريح.
القمار.. الذي يصرف المقامر عن كل شؤون حياته الخاصة والعامة وعن مشاكله وقضاياه، ويحرم حتى أطفاله من أهم ما يحتاجون إليه ألا وهو عطفه ومحبته.. هذا.. إن لم يأت آخر الليل متوتر الأعصاب، يثور ويعصف لأتفه الأسباب، ثم هو يبرق ويرعد، ويتهدد، ويتوعد.
وأخيراً.. وإذا أمكن انتقاء الرياضة الشريفة، والمفيدة، وأمكن إبعاد ذلك الجانب المريض منها والتخلص منه إلى غير رجعة.
وأمكن أيضاً.. لأولئك الذين يدعون أنهم يحدبون على الإنسان ويعطفون عليه، ويغارون على مستقبله أن يضعوا إلى جانب المنهج الرياضي الجسماني، منهجاً للرياضة النفسية والتربية الروحية.. وأيضاً.. منهجاً للرياضة العقلية والفكرية يتكفل بتوعية هؤلاء الشباب، ورفع مستواهم الفكري، والثقافي وذلك ليتحقق التكامل على مختلف المستويات بشكل متوافق متوازن..
وليحرس كل جانب من هذه الجوانب الجانب الآخر من الانحراف والطغيان – إذا أمكن ذلك، فإن الرياضة حينئذ تكون ضرورة لابد منها وعملاً إنسانياً ورسالياً فذاً ومجيداً..
نعم.. لقد كان الأجدر.. قبل أن يدخلوا الملاكمة، والقمار، وما شابه ذلك.. مما يشكل خطراً على الإنسان وعلى مستقبله وكذلك سائر الرياضات التافهة – قبل أن يدخلوا ذلك في الرياضة – كان الأجدر بهم أن يهتموا بإقامة تلك النوادي التي تتكفل بالتربية الروحية والخلقية..
وأيضاً نواد للتنمية الفكرية والثقافية التي تتكفل بنشر المعرفة، وتعريف الشباب بمشاكلهم وقضاياهم المصيرية والمستقبلية..
نعم.. لقد كان الأجدر ذلك.. ولكن – يا للأسف – فإن الاستعمار والصهيونية العالمية، وكذلك كل المنتفعين والمتاجرين.. وحتى المغفلين أيضاً – إن هؤلاء – هم الذين يريدون لهذا الشعب أن يمارس رياضة الخراب والدمار..
رياضة التغفيل والاستحمار.. رياضة الغرور والأنانية..
رياضة الضياع، والجهل، وهدر الطاقات والأوقات..
رياضة.. الشقاء والبلاء.. رياضة الحقارة والتفاهة..
نعم.. إن هؤلاء..
يريدون للشعب رياضة كهذه..
ليتمكنوا من استعماره واستحماره..
فمتى..
متى نستيقظ..
متى نعود إلى أنفسنا، ونعرف واقعنا... ونفكر في مستقبلنا.. بجدية، وحيوية، وأناة..
ربما توقظ الكلمة هجوداً.
وتهدي ضالاً وحيداً.
وتصنع مستقبلاً مجيداً.
فذكر.. فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
والحمد لله رب العالمين.. وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين..
بمناسبة ألعاب: (ميونخ) لسنة 1972م.
جعفر مرتضى العاملي