الإمام في الكتاّب (المدرسة)!!
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا باحثٌ إسلامي أحببتُ أن أستفيدَ من علمِكُم نظراً لشهرتكم في مجال تحقيق التاريخ الإسلامي، وتعمقِكُم في أمور العقيدة.
ولديّ مجموعةٌ من الأسئلة بالنسبة لبعض المعتقدات والروايات عندكم أنتم الشيعة الإمامية سأرسِلُها إليكم تباعاً لتجيبوا عليها ولكم جزيل الشكر.
نعترض نحنُ أهلُ السُنة على ما تعتقدونَهُ من إن علومَ أئمتِكُم مقتَبَسة عن النبيّ ’ فقط وأنها علومٌ لدُنية حسب دعواكم بما وَرَدَ في بعض الأخبار عندكم في حقِ بعضِ أئمتكم من إنهُم في حال الصغر والطفولة كانوا يذهبون إلى الكتاتيب، ومن ذلك قِصة جابر المعروفة عندكم من إنهُ لما رأى الباقر في الَكتَّاب معَ جماعَةٍ من الأولاد المجتمعين لتعلم الكتابة أقبَلَ إليهِ وقَبَّلَ رأسَهُ وأقرأهُ السلام من النبي ’ بالإضافة إلى غيرِ ذلك من الرواياتِ عندكم.
ما هو جوابكم على هذا الاعتراض؟
والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُهُ.
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
إننا لا نريد أن نورد لك الأحاديث الكثيرة المتواترة حول علومهم صلوات الله عليهم، ولكننا نقول:
إن معرفة الأئمة بالعلوم هي على حد معرفة يحيى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما.. وقد قال الله سبحانه عن يحيى ×: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً}([1]).
وحينما ولدت مريم عيسى (ع)، وأتت به قومها تحمله، وسألوها عنه، واتهموها، قال الله تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً}([2]).
كما أن آصف بن برخيا، الذي كان عنده علم من الكتاب، وأتى بعرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس بواسطة ذلك العلم، لم يتعلم ذلك العلم من الكتاتيب، ولا من الناس العاديين الذين عاشوا في عصره، وإلا لكان الذين علموه أيضاً قادرين على أن يأتوا بعرش بلقيس..
وقد علم رسول الله ’، علياً (ع)، ألف باب من العلم، يُفتح له من كل باب ألف باب، كما ورد في الأثر عنه (ع).
وقد روى أهل السنة: أن عمر كان محدَّثاً، (أي كان له ملك يأتيه فيحدثه)([3]).
ورووا أيضاً أن سلمان كان محدَّثاً([4]).
فلماذا لا يكون الإمام محدثاً أيضاً؟!..
وأما رواية ذهاب الإمام (ع)، إلى الكَتَّاب (أي المدرسة) فلماذا لا يكون داخلاً في دائرة سياسات الأئمة لإبعاد مضايقات الحكام لهم. وتعمية الأمور عليهم، وحرمانهم من فرصة التعرف على الإمام الذي يقوم بالأمر بعد موت الإمام الحاضر.
ويؤكد هذا المعنى: أن حديث: الأئمة، أو الخلفاء، أو الأمراء بعدي اثنا عشر كلهم من قريش. أو يكون بعدي اثنا عشر أميراً أو خليفة كلهم من قريش ـ إن هذا الحديث ثابت عن رسول الله(ص)... وقد رواه أهل السنة في صحاحهم ومسانيدهم، وعلى رأسها صحيحي البخاري ومسلم، وغيرهما، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده، وغيره.
وقد قال رسول الله (ص) ، ذلك في موسم الحج في منى أو في عرفات أو في كليهما ـ على رؤوس الأشهاد. فراجع كتابنا: "الغدير والمعارضون".
فكان الحكام يرصدون ما يمكن أن يكون منطبق هذا الحديث، ويتعاملون معه بسياسة ظهرت عناوينها العامة في كربلاء في يوم العاشر من المحرم. وقبل ذلك فيما فعلوه بالإمام الحسن بن علي(ع) حين دسوا له السم على يد زوجته..
وقد رأينا المنصور يسعى لتسديد الضربة القاصمة في من يوصي له الإمام الصادق (ع)، فكان أن طلب من عامله أن ينظر من يوصي إليه الإمام (ع)، فيقدمه فيضرب عنقه.
قال: فرجع الجواب إليه: إنه قد أوصى إلى خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، وعبد الله وموسى ابني جعفر وحميدة.
فقال المنصور: ليس إلى قتل هؤلاء سبيل([5]).
ثم إن الإمام × قد يضطر لأن يروي عن غيره حين يكون ذلك أدعى لقبول حديثه عن رسول الله ’، ولذلك نجدهم ^ يضطرون لذكر سلسلة سندهم لرسول الله(ص)، لأن أهل السنة ينظرون إليهم على أنهم رواة. فلا يأخذون بأقوالهم إذا لم ترو لهم عن رسول الله (ص) .
وكان الأئمة (ع)، حين ترد عليهم المسائل كثيراً ما يرجعون الناس في مسائلهم الصعبة إلى أبنائهم في حال صغرهم ليظهروا مزيتهم على غيرهم، في أن الله قد اختصهم بعلوم ليست عند غيرهم.
والحمد لله، أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
جعفر مرتضى الحسيني العاملي