سكينة بنت علي في كربلاء ويوم عاشوراء
السؤال 1300:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
السيدة سكينة بنت علي «عليها السلام» هل حضرت في كربلاء في العاشر من المحرم؟!
نقول هذا، لأن العلامة أبا إسحاق الاسفرائيني «رحمه الله» يذكر في كتابه (نور العين في مشهد الحسين «عليه السلام») حضور السيدة سكينة «عليها السلام» في واقعة كربلاء ومشاركتها المصائب الأليمة لشهادة أخيها الامام الحسين «عليه السلام» وشهداء كربلاء، وأسر أهل البيت، وينقل عنها أشعاراً حزينة في مختلف أبواب كتابه.
ويذكر الاسفرائيني في أحد كتبه المحاورة التي جرت بين الامام الحسين «عليه السلام» وأخته السيدة سكينة «عليها السلام» في مكة سننقلها بإيجاز: بعد أن خرج مسلم بن عقيل مع مرسل أهل الكوفة عن الامام الحسين «عليه السلام» متوجهاً إلى الكوفة ذهب الإمام «عليه السلام» إلى أخته سكينة «عليها السلام» وأخبرها بظلم يزيد وعبيد الله بن زياد على أهل الكوفة والعراق، واستمدادهم منه ودعوته له، ثم قال «عليه السلام» لأخته «عليها السلام» يا أختاه قومي وهيئي أمور سفرنا ولنتحرك.
فعندما سمعت سكينة «عليها السلام» ما قاله الامام «عليه السلام» وعيناه تدمعان لما أصاب أهل الكوفة من الظلم والجور قالت لأخيها وعيناها تدمعان: يا أخي، لا أبكى الله عيناً إلا من خشيته..
يا أخاه، نحن جاهزون للسفر، ولكننا على أبواب شهر المحرم الحرام ونرغب أن نكون في بيت الله الحرام يوم عاشوراء..
يا أخاه، ائذن لنا أن نبقى هنا حتى ننهي مناسك الحج، وندرك يوم عاشوراء في جوار الكعبة المشرفة.. إني لا أستحسن سفرنا في الأشهر الحرم لما سمعته من جدي رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إن دم الحسين يسفك في الشهر الحرام.. فاصبر يا أخاه كي ينصرم المحرم هذه السنة لكي يسكن قلبي.
فقال لها الإمام الحسين «عليه السلام»: يا أختاه، أنا كذلك سمعت ما سمعتيه من جدي، ولكن لا جدوى من ذلك، لأن أهل الكوفة والعراق أقسموا عليَّ بالله، وبجدي، وبأبي: أن أذهب إليهم هذه السنة، وإن لم أفعل لشكوني يوم القيامة عند ربي، وماذا أفعل يوم ذاك وأجيب.. وإن كان لا بد أن أقتل، فلا راد لقضاء الله ومشيئته، فانهضي ولنتهيأ للسفر، ونتوكل على الله في كل الأحوال.
فقامت «عليها السلام» وعيناها تقطر دمعاً وتقول:
ألا إن شوقي في الفؤاد تحكما |
|
فقلت جرى يحكي من الجد عندما |
ولما تهيا للمسير ركابهم |
|
فقلت لعيني أبدلي الدمع بالدما |
فإن عاد لي يا عين كان لك الهنا |
|
وإن طال بي الأبعاد بشرت بالعمى |
أيا قلب لا تنس الوداد وما جرى |
|
فأيامنا كانت بها العيش منعما |
وغادرنا سهم الفراق أصابنا |
|
وجرعنا كأس التفرق علقما |
وبعد ذلك ذهبت إلى عبد الله بن الزبير وشرحت له ذهاب الإمام «عليه السلام» إلى الكوفة، فخرج عبد الله فور أن سمع ذلك إلى الإمام الحسين «عليه السلام» قائلاً: اعدل عن رأيك، وابق عندنا في مكة، لعل الله يسهِّل الأمور.. محبتنا لك كاف لكي تترك العراق والكوفة، وإن كنت تريد الخلافة فخذ منا البيعة، وكن من اليوم خليفتنا، وإذا قام يزيد لمحاربتك لحاربناه، ونجعل الناس كلهم تحت أمرك وطاعتك..
فلم يقبل الإمام «عليه السلام» ما عرضه عبد الله قائلاً: أقسم بقبر جدي رسول الله «صلى الله عليه وآله» يجب أن أذهب إليهم..
وهكذا حمل الإمام «عليه السلام» الإبل، واتجه نحو المدينة برفقة أهل بيته من النساء والأطفال، وسبعة عشر رجلاً من أهل بيت الرسول «صلى الله عليه وآله» من أبنائه، وإخوته، وأبناء إخوته، وأبناء عمه.. إضافة إلى ستين صحابياً من الراكبين والمشاة.
فجاء إليهم عبد الله بن الزبير قائلاً: خذوني معكم، فإن معي ألفي فارس شجاع.
فقال له الإمام «عليه السلام»: لا داعي لذلك، لا يأتي معي سوى هؤلاء السبع والسبعين شخصاً.
فيذكر العلامة الاسفرائيني وقائع يوم عاشوراء في قسم آخر من كتابه هكذا: فجاء ميمون فرس الإمام الحسين «عليه السلام»، والذي كان من أحسن جياد رسول الله «صلى الله عليه وآله» ينظر إلى الأجساد واحداً تلو الآخر. وكان وهو يمشي بينهم حتى وصل إلى جسد الإمام «عليه السلام»، فرآه مقطوع الراس، فبدأ يدور حول الجسد الشريف، ويلطخ ناصيته بدمه، فلما رآه عمر بن سعد «لعنة الله عليه» قال لأصحابه: ائتوني به.
فلما ذهبوا إليه لم يستسلم، فهجم عليهم، ثم قتل وجرح عدة منهم، وأبعد الباقي عن نفسه، ثم رجع ثانية إلى الجسد الشريف، وصهل صهيلاً عالياً ملأ سماء كربلاء، وذهب بعد ذلك إلى خيام أهل البيت..
وعندما خرجت السيدة سكينة «عليها السلام» من خيمتها، وحين رأت الفرس ملطخاً بالدماء، يصهل ويئن أسفاً دون الحسين «عليه السلام» صاحت: وا قتيلاه، وا حسيناه، وا غريباه، ثم قرأت الأبيات التالية:
فويلك يا ميمون فارجع بسرعة |
|
وخبِّر عن السبط الشريف هدى العلا |
وأين تركت السبط ميمون قل لنا |
|
وأين الذي قد كان للخطب حاملا |
أميمون تغدر بالحسين وما لنا |
|
كفيل وللحمل الثقيل تحملا |
والجدير بالذكر: أن العلامة الاسفرائيني قد ذكر في كتابه بالتفصيل تاريخ واقعة كربلاء، ويذكر السيدة سكينة «عليها السلام» وأشعارها المحزنة والمؤلمة في عدة مواقع ومناسبات مختلفة، ونحن ذكرنا هنا فقط زوايا مختصرة عنها «عليها السلام» وعن أشعارها..
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإن رواية أبي إسحاق الإسفرائيني لا يمكن قبولها لأمور عديدة، نكتفي بأمور ترتبط بالقطعة التي أرسلها السائل إلينا من كتاب: «نور العين في مشهد الحسين «عليه السلام»»، وهذه الأمور هي التالية:
الأول: ركاكة التعابير التي وردت في الرواية، فإنها ظاهرة ومشهودة.
الثاني: لماذا ذهب الحسين «عليه السلام» إلى أخته سكينة ليطلب منها الاستعداد للسفر وترك أخته زينب وهي الأكبر، والأعظم والأجل قدراً، وعلماً، والأصح تدبيراً، وهي العالمة غير المعلمة، والفهمة غير المفهمة، وهي التي كانت تتصدى لمختلف الأمور في ذلك السفر المصيري والحساس؟!
الثالث: ما معنى أن تتحدث سكينة مع أخيها عن يوم عاشوراء قبل أن تحصل عاشوراء. وهل كان ليوم عاشوراء قبل إستشهاد الإمام الحسين «عليه السلام» مراسم عبادية، أو غيرها تجرى فيه، وتريد أن تقوم سكينة بهذه المراسم في مكة بجوار الكعبة؟!
الرابع: إن قولها: إنها سمعت من جدها: أن دم الحسين يسفك في الشهر الحرام، ثم طلبها منه أن يصبر حتى ينصرم شهر المحرم لكي يسكن قلبها، يدل على عدم معرفتها بوقت استشهاد الحسين«عليه السلام».. وهذا يؤكد على عدم وجود مبرر للحديث عن يوم عاشوراء.
الخامس: إن الحديث الذي نشهده في شعر سكينة عن الشوق، وعن الفراق.. وعن الحنين للعودة، وأنها تود أن لا يطول البعاد، ثم عن الوداد القائم بينها وبين من تبعد عنهم من أحبائها. ومن سوف تصاب بسهم فراقهم، وتتجرع كاس ذلك الفراق. إن هذه المضامين كلها لا تنسجم مع حقيقة أنها مسافرة مع المسافرين، وأنها سوف لا تفارقهم، ولا تبتعد عنهم!!
السادس: ما معنى: أن تذهب سكينة بنت علي«عليهما السلام» إلى عبد الله بن الزبير وتكلمه في أمر خروج أخيها الإمام إلى الكوفة، مع أنه عدو لأبيها وأخويها الحسن والحسين، ولسائر بني هاشم؟! وقد حاربهم يوم الجمل، وبقي مبغضاً وحاقداً عليهم، وشانئاً لهم إلى آخر حياته؟!
السابع: هل صحيح أن عبد الله بن الزبير بادر إلى الحسين «عليه السلام» وطلب منه البقاء في مكة؟! هل صحيح انه يخبر، بمحبته له؟!
وهل صحيح أنه عرض أن يبايع للحسين «عليه السلام» في نفس ذلك اليوم؟! ووعده بأن يحارب يزيد دفاعاً عنه؟! ووعده بأن يجعل الناس كلهم تحت أمر الحسين وطاعته، على حد تعبير الرواية التي نتحدث عنها؟!
وهل كان عبدالله بن الزبير يملك هذه الشعبية الواسعة حقاً؟!
الثامن: هل صحيح: أن ابن الزبير قال للحسين «عليه السلام»: خذوني معكم، فإن معي ألفي فارس شجاع؟!..
وهل صحيح: أن الحسين «عليه السلام» رفض هذا العرض الزبيري؟! ولماذا رفضه «عليه السلام»، ألا يعد هذا تفريطاً، ومخالفاً للحكمة؟!
التاسع: قوله «عليه السلام» في اعتذاره: «لا يأتي معي سوى هؤلاء السبع وسبعون[سبعين] شخصاً» ألا يخالف ما يقال: من أنه اجتمع إلى الحسين «عليه السلام» في طريقه إلى العراق حوالي ثلاثة آلاف رجل.. ثم تفرقوا عنه وتركوه حين رأوا خيل ابن زياد..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
جعفر مرتضى العاملي