||   الموقع بإشرف السيد محمد مرتضى العاملي / پايگاه اينترنتى تحت اشرف سيد محمد مرتضى عاملي مي‌باشد   ||   الموقع باللغة الفارسية   ||   شرح وتفسير بعض الأحاديث..   ||   لقد تم افتتاح الموقع أمام الزوار الكرام بتاريخ: 28/جمادی الأولی/ 1435 هـ.ق 1393/01/10 هـ.ش 2014/03/30 م   ||   السلام عليكم ورحمة الله.. أهلاً وسهلا بكم في موقع سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي.. نود إعلامكم أن الموقع قيد التحديث المستمر فترقبوا المزيد يومياً..   ||  



الصفحة الرئيسية

السيرة الذاتية

أخبار النشاطات والمتابعات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

المؤلفات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الأسئلة والأجوبة

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

التوجيهات والإرشادات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الحوارات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

النتاجات العلمية والفكرية

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الدروس

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

الصور والتسجيلات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

مركز نشر وترجمة المؤلفات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

مختارات

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

مركز الطباعة والنشر

شريط الصور


  • ابن عربي سني متعصب غلاف
  • رد الشمس لعلي
  • سياسة الحرب غلاف
  • زواج المتعة
  • الولاية التشريعية
  • كربلا فوق الشبهات جديد
  • علي ويوشع
  • طريق الحق
  • توضيح الواضحات
  • دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ط ايران
  • تخطيط المدن في الإسلام
  • تفسير سورة الماعون
  • تفسير سورة الكوثر (التاريخ العربي)
  • تفسير سورة هل أتى
  • تفسير سورة الناس(التاريخ العربي)
  • تفسير سورة الكوثر
  • تفسير سورة الفاتحة (التاريخ العربي)
  • السوق في ضل الدولة الإسلامية
  • سنابل المجد
  • سلمان الفارسي في مواجهة التحدي
  • الصحيح من سيرة الإمام علي ج 3
  • الصحيح من سيرة الإمام علي
  • صفوة الصحيح فارسي
  • رد الشمس لعلي
  • كربلاء فوق الشبهات
  • اكذوبتان حول الشريف الرضي
  • منطلقات البحث العلمي
  • مختصر مفيد
  • المقابلة بالمثل
  • ميزان الحق ط 1
  • ميزان الحق (موضوعي)
  • موقف الإمام علي (عليه السلام) في الحديبية
  • المراسم والمواسم _ إيراني
  • المواسم والمراسم
  • مقالات ودراسات
  • مأساة الزهراء غلاف
  • مأساة الزهراء مجلد
  • لماذا كتاب مأساة الزهراء (عليها السلام)؟!
  • لست بفوق أن أخطئ
  •  خسائر الحرب وتعويضاتها
  • علي عليه السلام والخوارج
  • ظاهرة القارونية
  • كربلاء فوق الشبهات
  • حقوق الحيوان
  • الحاخام المهزوم
  • الحياة السياسية للإمام الجواد
  • الحياة السياسية للإمام الحسن ع سيرة
  • الحياة السياسية للإمام الحسن ع
  • الحياة السياسية للإمام الحسن ع ايران
  • الحياة السياسية للإمام الرضا ع
  • إدارة الحرمين الشريفين
  • ابن عباس ـ ايران
  • ابن عربي سني متعصب
  • ابن عباس وأموال البصرة
  • دراسة في علامات الظهور مجلد
  • بلغة الآمل
  • براءة آدم (ع)
  • بنات النبي أم ربائبه غلاف
  • بنات النبي أم ربائبه
  • عرفت معنى الشفاعة
  • الصحيح1
  • الصحيح 2
  • الصحيح8
  • الجزيرة الخضراء
  • الجزيرة الخضراء
  • الصحيح
  • الغدير والمعارضون لبنان
  • الغدير والمعارضون
  • الأداب الطيبة المركز
  • الآداب الطبية في الإسلام
  • البنات ربائب
  • علامات الظهور
  • علامات الظهور قديم
  • أحيو امرنا
  • أهل البيت في آية التطهير
  • افلا تذكرون
  • ابوذر
  •  بنات النبي (صلى الله عليه وآله) أم ربائبه؟!
  • الإمام علي والنبي يوشع
  • براءة آدم (ع)
  • الغدير والمعارضون
  • الإمام علي والخوارج
  • منطلقات البحت العلمي
  • مأساة الزهراء عليها السلام

خدمات

  • الصفحة الرئيسية
  • أرشيف المواضيع
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا





  • القسم الرئيسي : المؤلفات .

        • القسم الفرعي : الكتب .

              • الموضوع : موقع ولاية الفقيه من نظرية الحكم في الإسلام. .

موقع ولاية الفقيه من نظرية الحكم في الإسلام.

موقع ولاية الفقيه من نظرية الحكم في الإسلام
(نظرة جديدة)

السيد جعفر مرتضى العاملي


الطبعة الثالثة: 1423هـ. ـ 2002م.


المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، إلى قيام يوم الدين.

وبعد..

فإنني كنت قد كتبت حول موضوع (ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة) وتعرضت في المقدمة إلى موضوع ولاية الفقيه في دليلها العقلي والفطري. ولكن ما كتب هناك لم يكن مستوفياً لجميع جوانب البحث، لأنه كان يهدف إلى طرح المسألة من زواية معينة، تنسجم مع طبيعة ما اعتبرت مقدمة له، فأحببت طرح البحث هنا من جانب آخر، مع التأكيد على ضرورة مراجعة ما كتب هناك، لأن كلاُ منهما متمم لآخر، ومع الاشارة إلى أن ثمة جوانب أخرى لا تزال بحاجة إلى البحث والتمحيص، ولعلّنا نوفق لذلك في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.

18/جمادى الأولى/1404هـ.ق الموافق لـ: 5/12/1362هـ.ش ـ قم

جعفر مرتضى العاملي.


بداية:

قال الله تعالى في كتابة الكريم:

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[1]. صدق الله العلي العظيم.

لقد تعرضت هذه الآية الكريمة لولاية الله ورسوله، وبعض المؤمنين الذين لهم مواصفات معينة من بعده ـ ولايتهم ـ على الناس، وحكومتهم عليهم.

ولا نريد البحث في هذه الآية من ناحية تأريخية، أو سياسية، ولا من ناحية عقائدية وكلامية، ولا من ناحية تفسيرية وإنما نريد أن نتعرف على موقع هذه الآية من النظرة الإسلامية فيما يتعلّق بالنظام والحكم الذي يجب أن يهيمن على كل شؤون، ومجمل سلوك وحركات، ويوجه مواقف الأمة، في حياتها، وفي مسيرتها باتجاه الهدف، الذي يهتم الإسلام بالتوجيه إليه، ثم الوصول والحصول عليه.

ولا يهمنا كثيراً هنا التعرض للنظريات والطروحات المختلفة حول ماهية وشكل نظام الحكم.. تلك النظريات التي جادت بها قرائح العلماء والمفكرين، أو رضيها الناس لأنفسهم في فترة أو بأخرى، أو فرضتها ظروف معينة، مرت بها الأمم في العصور المختلفة كالنظام الديمقراطي، أي حكومة الشعب ـ كما يدعون ـ أو كحكومة العمال المزعومة، أو كحكومة دكتاتورية الأقوى، أو غير ذلك، مما كان ولا يزال في أحيان كثيرة يستخدم كشعار يرخي إلى إغواء الناس، وجرهم وراء أولئك الطامحين والمستغلّين، أو كان أحياناً أخرى عن قناعة واقعية، لا تخفى وراءها أيّاً من المقاصد التي تدخل في هذا الاتجاه.

بل ربما نرى البعض يحاول أن يدعي: أنه ليس ثمة من حاجة لحكومة على الإطلاق.

لا، لا نريد التعرض لكل ذلك، ولا لسواه بالبحث والنقد والتمحيص، وإنما نريد فقط أن نبذل محاولة للترّف على رأي الإسلام في الحكم، وفي الحاكم، ولنرى، إن كان يلتقي مع أي من هذه النظريات المطروحة، أو مع سواها مما عرفته الأمم، أم أن له أطروحة جديدة ومتميزة في هذا المجال.

الحكم ضرورة فطريّة:

هذا.. ولأجل أن نقترب قليلاً من موضوع البحث، فإننا لا بد أن نشير إلى: أن الإسلام يرى حتميّة وجود حاكم مهيمن، يعمل على فرض النظام، ومنع الفوضى، وهو في رأيه هذا منسجم مع الواقع، ومتوافق مع قضاء الفطرة، الذي لا يمكن إنكاره، ولا المماراة فيه.

فعن أمير المؤمنين عليه السلام:

"الإمامة نظام الأمّة"[2].

وعنه عليه السلام:

"لا بد من إمارة، ورزق للأمير.. إلخ"[3].

وعنه عليه السلام:

"لا بد للناس من أمير، بر، أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلّغ الله فيه الأجل ويجمع به الفيئ، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر"[4].

وعنه عليه الصلاة والسلام:

"أسد حطوم، خير من سلطان ظلوم، سلطان ظلوم، خير من فتن تدوم"[5].

وعن الإمام الرضا عليه السلام، وهو يذكر علل جعل أولى الأمر والأمر بطاعتهم:

"ومنها: أنّا لا نجد فرقة من الفرق، ولا ملّة من الملل، بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس لما لا بد لهم منه في أمر الدين، فلم يجز في حكمة الحكيم:أن يترك الخلق مما يعلم أنه لا بد لهم منه، ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم، ويقسمون به فيئهم، ويقيمون به جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم"[6].

فانهم "عليهم الصلاة والسلام" إنما يخبرون بهذه الكلمات عن حكم الفطرة، وقضاء الطبيعة والواقع بالحاجة إلى حاكم، وليسوا في مقام جعل شرعي هنا، فان حكومة الفاجر مرفوضة في الإسلام جملة وتفصيلاً، كما أن كلمات الإمام الرضا عليه السلام، وكذلك كلمات الإمام على (عليه الصلاة والسلام) التي يفضل فيها الأسد الحطوم على الوالي الغشوم تشير إلى ما ذكرناه بشكل واضح.

وبعد هذا.. فلا مجال للإصغاء لقول من يقول: إنه لا حاجة إلى حاكم، ولا داعي إلى نظام، فان ذلك قول لا يستند إلى ما يبرره، لا على مستوى النظرية، ولا على صعيد الواقع الخارجي.

هذا كلّه بالنسبة إلى قضاء الإسلام والفطرة بضرورة وجود حاكم.

في مقدمات البحث:

وبعد ما تقدم، فإننا نقول: إن نظرة الإسلام لطبيعة الحكم الذي يفترض فيه أن يهيمن على مسيرة الأمّة نحو الهدف المنشود، منسجمة تماماً مع الفطرة أيضاً، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وليست بعيدة إدراك الإنسان، ولاعن تصوراته وطموحاته، ولأجل ذلك فان المراجعة إلى الفطرة تصير أمراً ضرورياً وحتميّاً لمن يريد التعرف على رأي الإسلام في هذا المجال.

وقبل أن ندخل في بيان ما نرمي إليه، فإننا نشير إلى أنه لا بد أولاً وقبل كل شيء من أن نتذكر:

إنه لا بد أولاً من بذل المحاولة للتعرف على ذلك الهدف الأسمى، الذي يوجه الإسلام مسيرة الأمّة إليه، ويهتم في العمل في سبيل الوصول والحصول عليه.

إنه لا بد من التعرف على نظرة الإسلام للكون وللحياة، وأنه هل يعتبر الدنيا هي كل شيء؟ أم أن للحياة إمتداداً أبدياً، وخلوداً وبقاءاً مستقبلياً يتجاوز حدود هذه الحياة، إلى ما هو أوسع منها، وأكمل، وأتم ؟

إنه على أساس طبيعة ذلك الهدف، ووفق تلك النظرة للكون وللحياة تتحدد طبيعة النظام الذي يفترض فيه أن يهيمن على مسيرة الأمّة، ويحكم كل حركاتها ومواقفها.

أمّا بالنسبة للأمر الأول: فإننا لا نتردد في التأكيد على أن الهدف هو إيصال هذا الإنسان، كفرد، وكأمّة إلى السعادة التامة والشاملة والحقيقية، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، هذه السعادة التي لا تنتهي بانتهاء حياته في هذه الدنيا وإنما تمتد وتمتد عبر الأزمان والأحقاب لتكون سعادة دائمة، وخالدة، وأبدية.

وبالنسبة للأمر الثاني: فان الإسلام يعتبر الدنيا مرحلة إعداد وتهيّؤ للحياة الحقيقية، حيث ينتقل الإنسان منها إلى مرحلة أخرى أكبر وأوسع، تتجسد فيها إنسانية الإنسان، ويعيش وأصالته بحيوية وواقعية وعمق، وذلك هو ما تؤكده الكثير من الآيات والنصوص القطعية، وهو من بديهيات الإسلام الأولية، بحيث لا يحتاج إلى إقامة البراهين، ولا إلى إيراد الشواهد.

ومن هنا: فان الأمر الثالث يصبح أكثر وضوحا من وجهة نظر إسلامية، حيث إنه يرى: أن النظام الذي يفترض فيه أن يهيمن على حياة الإنسان، وعلى علاقاته كلها، لابد وأن يتجه بالإنسان نحو ذلك الهدف الأسمى، وأن يعتمد في صميم تشريعاته ربط الإنسان بالله سبحانه، ليعيش باستمرار في ظل الرعاية الإلهية، ويستفيد ما أمكنه من عطاء التربية الربانية، المتمثلة في الطاعة الطلقة له سبحانه وتعالى، والإخلاص في عبادته.

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَ لِيَعْبُدُونِ}[7].

وبعد هذا.. فان من الطبيعي أن تكون أطروحة الإسلام لنظام الحكم منسجمة مع نظرته للكون، وللحياة، للإنسان، وان يقيم علاقات الإنسان بالدنيا، وبكل ما يحيط به تقييماً صحيحا، ويعطيها حجمها الطبيعي الذي ينسجم مع حجم الدور الذي يفترض فيها أن تؤديه في مسيرة الإنسان في الحياة الباقية نحو هدفه الأسمى، الذي يشدّه إليه بواسطة ربطه، وكل مواقفه وأعماله بالله تعالى، ومحض القربة له سبحانه.

عناصر ضرورية:

وطبيعي أن حكومة كهذه ـ بل كل حكومة ـ تحتاج من أجل تأمين ذلك إلى العناصر التالية:

الإحاطة بكل ما من شأنه أن يكفل تحقيق ذلك الهدف، أو يساعد على الوصول إليه.

ويدخل في ذلك: العلم لكل ما يحيط بحياة المجتمع الذي يحكمه ـ صغيراً كان أو كبيراً ـ من ظروف وأحوال لها تأثير مباشر، أو غير مباشر في تكامله وفي حركته.

أن يأمن من الخطأ، في مجال فهمه لحقيقة الظروف والأحوال، ومعرفته بما يصلح مما يفسد، وكذلك في مجال التطبيق والتنفيذ، وأن يملك الحصانة الكافة للمنع من أي حيف، أو تجن، أو استغلال، انطلاقا من أغراض شخصية أو غيرها، مما لا يعود بالنفع على أولئك الذين يفترض فيه أن يرعى شؤونهم، ويشرف على مصالحهم.

أن يملك الدافع الذي يضمن قوة الحركة واستمرارها في الاتجاه الصحيح، والاستعداد لتحمل المصاعب والمتاعب، التي ربما تفرضها طبيعة المهمة التي يفترض فيه أن يتحمل مسؤوليات الاضطلاع بها.

هذا كله.. عدا عن الشرائط العامة التي ينبغي توفرها ـ ولو الحد الأدنى منها ـ في الشخصية القيادية، حتى بالنسبة لمجتمع صغير قليل المؤونة، محدود العدد. من قبيل العقل، والشجاعة، والقدرة، وغير ذلك.

أوليّات فطريه:

إننا إذا لاحظنا الإنسان[8] حينما يولد، فيعيش مرحلة الطفولة، حيث يكون غير قادر على تلبية حاجاته بنفسه، أو غير قادر على اختيار الأصلح ـ فانه يكون خاضعاً لحكم وسلطان أبويه، يدبران أمره، ويشرفان على شؤونه، ويوجهان كل حركاته وسكناته، نحو ما يريان أنه الأصلح له، والأوفق بحياته الحاضرة، وفي المستقبل، حيث أنهما هما الأعرف بأحواله، وبالظروف المحيطة به عادة.

بل إن الأسرة التي تكون أكثر سعادة، وأبعد عن الاضطرابات والمشاكل، هي تلك الأسرة التي يحكمها ويهيمن عليها، ويشرف على شؤونها شخص واحد وواحد فقط وطبيعي أن يكون هو الأب ولأنه هو الأقوى، والأجدر بتأمين احتياجاتها، ولا سيما الفرد الأضعف فيها، كما أنه هو الأقدر على حمايته مما يمكن أن يتعرض له من اعتداء من قبل الآخرين، أو حمايته من المتغيرات الطبيعية التي ربما يكون فيها شيء من القسوة، حتى في الحالات العادية على هذا الموجود الضعيف.

وأيضاً  فان الأب حينما يعمل حكومته على هذا المجتمع الصغير، فإنما ينطلق في مواقفه وأحكامه وإجراءاته من روح العطف والحنان، ورعاية المصلحة، ما وجد إلى ذلك سبيلاً، ويهتم بشكل تلقائي وطبيعي بالحفاظ على الوجود المتنامي للأسرة، بحيث تتمكن من السير على طريق التكامل، والوصول إلى أهدافها المنشودة في المستقبل.

وبعبارة أخرى: لو فرضنا أسرة تتشكل من أب وأم وأطفال، فإنها تسعى ـ طبيعياً ـ نحو تحقيق هدف ما في هذه الحياة، وليكن هو الراحة، والاطمينان، والسكون والسعادة، أو هو أعمار الكون، أو فليكن الهدف هو كل ذلك، أو سواه.

وهذا الهدف يحتاج إلى حركة باتجاهه من أجل الوصول إليه، ولا يمكن أن تكون حركة عشوائية لأن الحركة العشوائية لا توصل إلى هدف، إلا في حساب الملايين من الاحتمالات، ولا يمكن للعقلاء أن يبنوا حياتهم على أمر كهذا.

وعليه فلا بد من نظام يحكم هذه الحركة، وينظمها، ويوجهها، ويوازن بين رغبات هذا، ورغبات ذاك، وحركات هذا وسكنات ذاك، ويحفظها من أن يصطدم مع حركات ومواقف الآخرين، ومع سائر الموجودات الكونية المحيطة بها، ولو كان هذا النظام مما توصل إليه عقل الإنسان، وحكمته، وتدبيره.

وهذا بطبيعة الحال يحتم وجود من يشرف على هذه الحركة، وعلى تطبيق ذلك النظام عليها، ويكون هو المهيمن على المسيرة، والمرجع للفصل في أمورها ومشكلاتها، والمعين لها للتغلب على ما يواجهها من عقبات، ويحميها من العوادي الطبيعية، أو غير الطبيعية.

والأب هو الأليق والأجدر بالتصدي لمهمة كهذه، لأنه يملك قدرة تمكنه من ذلك من جهة، كما أنه يملك الحكمة، والتعقل، والاتزان، بالإضافة إلى قدر كاف من العاطفة التي من شأنها أن تحفظ مصالح هذه الأسرة، كما أنها تمثل ضمانة من الوقوع في الحيف والتعدي، ومن التساهل والتفريط، أو اللامبالاة بأمورها، ومشاكلها.

وهكذا.. يتضح: أن الأب يملك عادة حداً مقبولاً من العناصر التي أشرنا إليها فيما سبق، يساعده بشكل فعال في مجال تسييره لشؤون دلك المجتمع الصغير، الذي يقع تحت سيطرته، حتى إذا فقد بعضها، فان الحكم الشرعي وحتى العقلاء يلغون حقه في الحكم والسيطرة على تلك الأسرة.

أما حينما يصير للأب أولاد كثيرون، ثم أولاد أولاد، فان قدرته على السيطرة على الأمور، بل وعلى استيعاب كثير من الظروف والأحوال المؤثرة سلباً أو إيجاباُ في ما يقع في منطقة نفوذه، ويخضع لرعايته ـ هذه القدرة ـ ستضعف بالقياس إلى الأسرة الصغيرة، كما وستضعف العاطفة التي تمثل قوة الدفع والحركة، كلما كثرت الفروع، وتشعبت وتعددت الوسائط النسبية، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث وهن في قوة الربط التي تشدّه إليهم، وتشد هم إليه، أو على الأقل إلى البعض منهم، حينما يجد في البعض الآخر ما يغنيه عاطفياً، ونفسياً، أو حينما يجد في بعضهم صدوداً أو عقوقاً، يصرفه عن الاهتمام بشؤونه، ثم تقديم مصلحة غيره من إخوانه على مصلحته، كما يحدث في أحيان كثيرة، وبالتالي فان نوازعه الشخصية يمكن أن تطغى على كثير من مواقفه، وسيواجه كثيراً من القضايا بالوهن، والضعف، واللامبالاة، حينما تنصرف اهتماماته إلى تقديم راحة نفسه على مصلحة كل أو بعض من هم تحت تكلفة ورعايته ـ كما نراه في المجتمعات الغربية اليوم ـ وليس ثمة أية ضمانات أخرى تمنع من حدوث ذلك، أو تقلل من أخطاره، وآثاره، وقد رأينا بعض الآباء لو صدر من ولده مخالفة ما فانه لا يكتفي بضربه لتأديبه، بل يتعدى ذلك للتشفي منه في كثير من الأحيان.

وأما حينما تصير الأسرة في مستوى العشيرة، ثم حينما تصير العشيرة في مستوى بلد، فان ذلك الضعف سيزداد نسبياً، وسيصبح أكثر فعالية في إحداث الضعف والتخلخل في البنية الاجتماعية في منطقة نفوذه، وستجد المفاسد، التي تستتبع المصاعب والآلام الفرصة المناسبة للتسرب إلى حياة ذلك المجتمع، وتؤثر سلبياً على واقع أولئك الناس، ثم على مستقبلهم.

أما حينما تكون هيمنته، ومنطقة نفوذه في مستوى مقاطعة، أو دولة، فان هذا الضعف، وذلك الفساد سيصبح أكثر وضوحاً، وأبعد أثراً، مع أن ملاحظة حجم منطقة النفوذ يعطي ضرورة مضاعفة قوة الدفع، وزيادة القدرات الذاتية لديه لمواجهة الحاجات الكبيرة، والمشكلات الكثيرة، التي ربما تواجههم، وكذلك تؤكد ضرورة تعميق وترسيخ الملكات النفسية التي تمثل حصانة أكبر عن الوقوع في الخطأ، أو عن الحيف على الآخرين، ثم من طغيان النوازع النفسية وغيرها عليه، هذا كلّه، فضلاً عن تأكد الحاجة لمزيد من الاطلاع والمعرفة فيما يرتبط بظروف وأحوال من يقعون داخل نطاق عمله، ومنطقة حركته.

فطرية حكومة الأنبياء والأوصياء:

ونحن إذا نظرنا إلى حكومة الأنبياء الذين يتحملون مهمة قيادة ومسيرة البشرية جمعاء، وكذلك أوصيائهم، فإننا نجدها لا تخرج عن هذا السنن الفطري، والصراط الطبيعي، ولكن مهمة الأنبياء أعظم، لأنها تمس حياة شعوب بأسرها، وحياة الأجيال التي ستأتي تعد، فينبغي أن يكون توفي تلك العناصر فيهم بنحو أو في وأتم، ولا سيما إذا كانت رسالتهم عالمية، ويريدون مواجهة الأمم كلّها على اختلافها بالحق، وهدايتها ورعايتها، وذلك بالقيام بعملية هدم وبناء شاملة، للبنية الاجتماعية، والنفسية، والفكرية، والسياسية، والاقتصادية، وغيرها.

ولأجل ذلك نجد: أن الأنبياء وأوصياءهم "عليهم الصلاة والسلام" ونخص بالذكر منهم هنا نبينا الأعظم محمداً "صلى الله عليه وآله" والأئمة من ولده "عليهم الصلاة والسلام"[9] قد وصلوا إلى درجة العصمة، فيما يرتبط بضمان أن يكون عملهم على وفق الحكمة، التي لا بد وأن تهيمن على كل العلاقات والروابط، وأيضاً ضمان عدم وقوعهم في الخطأ، أو الحيف أو التعدي، أو التفريط في المهمة المناطة بهم "ـ وهو ما ربما يقع فيه الأب أحياناً ـ" وذلك لأن كل خطأ، أو تعد، أو تفريط، مهما كان صغيراً، سيكون له من الاتساع والشمولية بحيث يستغرق العالم كلّه، وسيكون له من الامتداد ما يجعله ينعكس على حياة الناس، أمّة بعد أمّة، وجيلاً بعد جيل. وإلى ما شاء الله.

وإذا كان الأب قد يكون مستوعباً لكل الظروف الموضوعية المحيطة بالأسرة، فإننا نجد الأنبياء يملكون الوعي الكامل والشامل، والمعرفة بما يصلح مما يفسد، لأنهم يرتبطون بالغيب، ويستمدون من الوحي الإلهي في هذا المجال.

وبالنسبة لسائر القدرات الذاتية، فانهم يملكون الكفاءات العالية، والخصائص الفريدة والكافية لجعلهم قادرين على وعي كل الظروف والأحوال، وعلى تحمل أعباء القيادة الهادية إلى طريق السعادة المنشود.

وبعد هذا.. وبالنسبة لقوة الدفع واستمراريتها، فان هذا النبي، وذلك الإمام يملك رصيداً هائلاً من الحب والعطف على الأمة، كل الأمة، حتى على أولئك الذين يحاربونه، ويحاولون القضاء عليه، وعلى دعوته، حتى لقد كانت نفسه (ص) تذهب عليهم حسرات، وان تأريخ الأنبياء والأئمة، وما تحملون من مصائب ومصاعب في سبيل هداية أممهم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور لخير شاهد على ما نقول، وقد حكى لنا القرآن الكريم بعض ما لاقاه نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ولوط، وغيرهم من الأنبياء من أممهم وشعوبهم، أما نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد واجه من المصاعب والمتاعب ما لم يواجهه أي من الأنبياء قبله، حتى لقد قال ـ حسب ما روي ـ : "ما أوذي أحد ما أوذيت"[10].

وقد بلغ نبينا الأكرم (ص) في حنانه وعطفه على الأمة، وحبه لها، وتفانيه في سبيلها، الغاية، وأوفى على النهاية، حتى لعد قال تعالى في بيان ذلك ـ وهي من مواصفاته القيادية في الحقيقة، وليست مواصفات شخصية ـ قال:

{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[11].

وقال تعالى:

{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ[12] عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}[13].

ويقول:

{فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[14].

وثمة آيات أخرى تذكر حرص النبي (ص) على هداية قومه، لا مجال لاستقصائها[15].

أما أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، فقد ملؤا قلبه قيحاً، مع أن خلافتهم لم تكن تساوي عنده نعلاً بالية، إلا أن يقيم حقاً، أو يبطل باطلاً، وكانت دنياهم أهون عنده من عفطة عنز على حسب تصريحاته.

وإنما كان يتحمل المشاق العسيرة، والمتاعب الكبيرة من الناس، من أجل الناس، فهو معهم على حد قول الشاعر:

أريد حياته ويريد قتلـي        عذيرك من خليلك من مراد


أنا وعلي أبوا هذه الأمة:

وبعد كل ما تقدم.. فإننا نفهم بعمق ما يرمي إليه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام):

"أنا وعلي أبوا هذه الأمّة"[16].

فهو المدبر، وهو المسيطر، ولكن من منطلق الحكمة التي تفرض نفسها على مواقفه، وبدافع من العاطفة التي تجعله يبادر إلى التضحية في سبيلهم، ويتحمل كل أنواع التعب والعناء والألم والبلاء من أجلهم.

ونعرف كذلك مغزى الأوامر الإلهية الكثيرة في القرآن الكريم، وعلى لسان النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) بين هذين الوالدين وحبهما، فعن الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) في قوله تعالى:

{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً}[17].

قال: الرسول (صلى الله عليه وآله):

"أحد الوالدين، فقال له محمد بن عجلان: فمن الآخر؟ قال:علي"[18].

وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

"حق علي بن أبي طالب على هذه الأمة (وفي لفظ: على كل مسلم حق) كحق الوالد على ولده"[19].

وبهذا المعنى نصوص كثيرة لا مجال لإيرادها فلتراجع في مكانها[20].

وبعد كل ما تقدم.. فإننا نشير إلى أن ما كان يلقاه الأنبياء والأوصياء من أذى، ومن مصائب وبلايا، في سبيل دعوتهم إلى الله سبحانه، هو في الحقيقة من أقسى ما يمكن أن يواجهه الإنسان في حياته العاطفية، بل هو أشد عليه من ضرب السيوف، وورود الحتوف، إذ أن من أشد الأمور وأصعبها على الإنسان أن يكون هو يذوب حباً وحناناً، ويبذل كل غال ونفيس، ويكابد المكارة، ويعاني الآلام من أجل حياة إنسان وإسعاده ثم يجد: أن ذلك الإنسان بالذات يقتله الحقد عليه، ويبذل كل ما يملك من أجل التخلص منه، وإلحاق الأذى به، ولو حتى بقتله، واستئصال شأفته، وكل من يلوذ به، ويرضى طريقته، لا لشيء إلا لأنه يريد أن يهبه الحياة والسعادة، ويبعد عنه كل بلاء وشقاء، نعم، وهذا هو المحك الحقيقي للإخلاص والحب حيث لا يكون ثمة أية مصلحة شخصية، أو منفعة مادية، أو معنوية تعود إليه، وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله:

{قُلْ لاَ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ}[21].


النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم:

وبعد كل ما تقدم.. وبعد أن تأكد لدينا توفر العناصر الرئيسة الآنفة الذكر في الأنبياء وفي الأوصياء، وبعد أن كانت محبتهم وعواطفهم تجاه أممهم هي الأقوى والأعمق من كل عاطفة ومحبة، وبعد أن كانت ليست عواطف هوجاء، ولا أحاسيس غامضة، وإنما هي عواطف صادقة وأصيلة، تقوم على أساس الإحساس بالمسؤولية، وامتلاك الرؤية الواقعية الكاملة، والشاملة المستندة إلى القدرات الذاتية الفريدة، والى الوحي.

وكذلك بعد أن كانت هذه الرؤية مستندة إلى التسديد الإلهي، وتمتلك العصمة عن الخطأ، والسهو والنسيان، وعن كل حيف أو تفريط، كضمانة حقيقية وثابتة إلى غير ذلك مما تقدم.

بعد كل ذلك: فان من الطبيعي أن يكون للنبي"صلى الله عليه وآله وسلم" وللامام (عليه السلام) الولاية ـ بمفهومها الأوسع والأدق ـ على الناس، كل الناس.

قال تعالى:

{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[22].

بل إن الإنسان إذا كان في مجال قيمومته على نفسه غير مأمون عليها، فضلاً عن أن يكون مأموناً على غيره، إذ قد تطغي عليه نوازعه الذاتية، وينساق وراء شهواته وغرائزه، ومصالحه، حينما تغمر العقل المشحون بالعاطفة، وتحد من فاعليته، أو تطغي العاطفة نفسها على العقل كما أنه قد يخطئ في كثير من تقديراته، لأنه لا يملك الرؤية الواقعية للكثير من الأشياء، لعدم إطلاعه على الغيب، والوحي محجوب عنه، إلى غير ذلك مما يمكن أن يتعرض له هذا الإنسان، الموجود الضعيف والمحدود ـ إذا كان كذلك ـ فان من الطبيعي أن يكون النبي (ص) أولى بالمؤمنين حتى من أنفسهم، فضلاً عن أولويته بهم من آبائهم وكل ذلك يفسر لنا قوله تعالى:

"النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم"[23].

بل إن حصر الولاية بالله تعالى، وبالنبي (ص)، والإمام"ع" في آية:

{ْإِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[24].

يعطينا: أن ولاية من ذكروا في هذه الآية الكريمة تلغي كل ولاية في قبالها، لأنها هي الولاية الحقيقة والواقعية، وكل ما عداها، فإنما هو منبثق عنها، فلا يكون له مكان إلا في الحدود التي لا يكون له تعارض ولا تصادم معها.

ومن خلال جميع ما تقدم، وبملاحظة شعور الأمة بأن هذه الحكومة والولاية إلهية، فالله هو المبدأ وإليه المنتهى، ومن خلال شعورهم بأنه يهبهم ـ بذلك ـ الحياة والكرامة والسعادة ـ من خلال ذلك كله، وبملاحظته ـ يتأكد ارتباطهم به، وانشد ادهم إليه، بعقولهم، وقلوبهم وعواطفهم، وبكل وجودهم، ويكون الحب، وتكون التضحية في سبيله، وقد وردت نصوص قرآنية، ونبوية، عن الأئمة، تؤكد على هذا الحب لله، ولرسوله، وللائمة (عليهم السلام) لا مجال لإيرادها هنا[25].


ولاية الفقيه الجامع للشرائط:

بقي أن نشير هنا: إلى أنه حينما لا يمكن للإمام المعصوم أن يمارس دوره الكامل في قيادة الأمة وهدايتها ورعايتها، بسبب عروض بعض الموانع القاهرة، كما هو الحال بالنسبة لإمامنا الحجة المنتظر (عجل الله فرجه)، وجعلنا من أنصاره وأعوانه، والمستشهدين بين يديه..

وحيث لابدّ للأمة من قائد ورائد، يحكم مسيرتها، ويشرف على شؤونها، وعلى تطبيق أحكام القانون فيها.

وحيث لابدّ وأن تناط هذه المهمة بواحد فقط من أفراد الأمة نفسها، لا أكثر، إذ قد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله:

"ما لكم والرياسات! إنما للمسلمين رأس واحد"[26].

كما أن "الشركة في الملك تؤدي إلى الاضطراب"، كما عن أمير المؤمنين علي عليه السلام[27].

فإننا نجد الإسلام في مجال اختياره لهذا الفرد منسجماً مع الفطرة أيضاً، فنجده يختار الأعلم بالأطروحة الإلهية، التي يفترض فيه أن يعمل على تطبيقها على النحو الأفضل والأشمل، والأعرف بواقع الأمة وظروفها، ومن يملك الحد الأعلى من القدرات والكفاءات، التي تؤثر في المهمة التي يتصدى لإنجازها ـ كما أن درجة العصمة وإن لم تكن متوفرة في غير المعصوم عادة، لكم ملكة العدالة والتقوى تكون بمثابة الضمانة الطبيعية، التي تكفل أن يكون كل ما يصدر عنه يقع في الخط الصحيح، ووفق مصلحة الأمة[28].

أضف إلى ذلك: أن إحساسه المتنامي بالمسؤولية الشرعية لا يبقي له مجالاً للتراخي أو التفريط في أداء المهمة الموكولة إليه.

فالعناصر الآنفة الذكر متوفرة أيضاً في الولي الفقيه على النحو الذي يحفظ للأمة سلامة المسيرة، وتكاملها الطبيعي في ظل التربية الإلهية.


نصوص مأثورة:

وقد أشير إلى بعض ما تقدم في ضن النصوص التالية:

عن علي عليه السلام في خطبة له:

"ذلك بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الخ.."[29].

عن على عليه السلام:

"يحتاج الإمام إلى قلب عقول، ولسان قؤول، وجنان على إقامة الحق صؤول"[30].

وعنه عليه السلام:

"اللهم لا ينبغي أن يكون الوالي على الدماء، والفروج، والمغانم، والأحكام، ومعالم الحلال والحرام، ,إمامة المسلمين (وأمور المؤمنين)؛ البخيل، لان نهمته في جمع الأموال، ولا الجاهل، فيدلهم بجهله على الضلال، ولا الجافي، فينفرهم بجفائه ولا الخائف، فيتخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم، فيذهب بالحقوق، ولا المعطل للسنن، فيؤدي إلى الفجور، ولا الباغي فيدحض الحق، ولا الفاسق، فيشين الشرع"[31].

وعن النبي (صلى الله عليه وآله):

"لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال:ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي، حتى يكون لهم كالوالد الرحيم"[32].

وجاء في صحيحة عيص بن القاسم عن الصادق عليه السلام:

"عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وانظروا لأنفسكم، فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها، يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها إلخ"[33].

وعن أمير المؤمنين عليه السلام:

"إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه"[34].

وثمة روايات أخرى فيما يرتبط بالمعرفة بالزمان وأهله لا مجال لتتبعها.


ونقول أيضاً:

كما أن ثمة نصوص كثيرة حول كون الأحق بالأمر هو الأعلم، أو فقل:هو ذلك الرجل الذي يكون في المستوى الأعلى من العلم والمعرفة بأحكام الله تعالى[35]، وهي وإن كانت بحسب والظاهر ناظرة إلى مواصفات الإمام والخليفة بعد النبي (ص)، ولكن كونها في مقام الرد على خصوم أهل البيت عليهم السلام يعطي: أنها في مقام الاستدلال بحكم العقل والفطرة الإنسانية، كما هو ظاهر.

كما أن من الطبيعي: أن يكون الأعلم، والأعرف بزمانه، والأقدر هو الأقرب والأجدر بتحقيق الأهداف الإلهية، فيما يرتبط بتطبيق أحكام الإسلام، وتنفيذ تعاليمه على صعيد الحكم، ومع وجود تلك الصفات بدرجات متفاوتة في عدة أشخاص، فلا بد وأن تراعي مصلحة الأمة، فتكون الولاية لمن يكون منهم أقدر على إدارة شؤونها، وحفظ مصالحها.


في نهايات البحث:

ولأجل كل ما تقدم، فان ولاية الفقيه، الجامع للشرائط الذي هو نائب الإمام، تشبه إلى حد كبير ولاية من ينوب عنه، فيكون أولى من الأب، وأحق بالتصرف منه، فيما يتعلق بولده، فلو حكم الولي الفقيه على الولد بالذهاب للجهاد مثلاً، فان منع الوالد له ـ والحالة هذه ـ لا يكون مؤثراً، بل ينفذ حكم الولي الفقيه، دون حكم الوالد.

وما ذلك إلا لأن هذا الولي أكثر إطلاعاً على ظروف ومصالح الأمة، وعلى الأحكام الشرعية التي لا بد وأن تهيمن على سلوكها من جهة، كما أنه لا يريد في حكمه هذا جلب مصلحة لنفسه، ولا هو نتيجة اندفاع عاطفي ضيق الأفق، وغير مسؤول، كما قد يحدث لكثير من الآباء في أحيان كثيرة.

إذن فحكومة الولي الفقه كحكومة النبي والإمام حكومة أبوية، قاهرة ومفروضة، ترتبط بالله سبحانه، وتنتهي إليه، وإن إحساسه بالمسؤولية الشرعية الملقاة على عاتقه، وكون ولايته قد جاءت عن طريق الجعل الشرعي الإلهي. إن ذلك من شأنه أن يعطي عمله قوة دفع أعظم، ويجعل الارتباط به اعمق وأقوي، لأن طاعته طاعة الإمام ثم النبي، ثم الله سبحانه، وكذلك الحال في عصيانه.

 كما أن ملكة العدالة التي يتمتع بها يعتبر ضمانة حقيقية، تؤهله لأن يحتفظ بسلامة الخط، وبرسالية الموقف، وتؤكد على ارتباط الناس به، وشدهم إليه، وثقتهم به وبمواقفه، حيث لا يبقى ثمة مجال لأن يراود نفوسهم أي شك أو ريب في سلامة المواقف التي يتخذها، أو الأوامر التي يصدرها.

وليكن ذلك كله.. واحداً من الأدلة على أن الإسلام دين الفطرة، والحقيقة، وعلى واقعيته في التعامل مع الأمور.

وفقنا الله للسير على هدى الإسلام.

والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى، محمد وآله الطاهرين.

قم المقدّسة

جعفر مرتضى العاملي


مصادر البحث:

1.    القرآن الكريم

2.    اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، للطوسي.

3.    الامالي، للطوسي.

4.    أنساب الأشراف، للبلاذري.

5.    البحار، للعلامة المجلسي.

6.    البرهان (تفسير)، للبحراني.

7.    تأريخ اليعقوبي، لابن واضح.

8.    تذكرة الخواص، لسبط ابن الجوزي.

9.    ترجمة الإمام علي (ع لابن عساكر.

10.              الجامع الصغير، للسيوطي.

11.              دعائم الإسلام، للقاضي النعمان.

12.              دستور معالم الحكم، للقضاعي.

13.              علل الشرايع، للشيخ الصدوق.

14.              عيون أخبار الرضا (عللشيخ الصدوق.

15.              غرر الحكم ودرر الكلم، للآمدي.

16.              فرائد السمطين، للجويني.

17.              قصار الجمل، للمشكيني.

18.              الكافي، للكليني.

19.              كنز العمال، للمتقي الهندي.

20.              كنوز الحقائق، للمناوي.

21.              لسان الميزان، للعسقلاني.

22.              مستدرك الوسائل، للنوري.

23.              مصادر نهج البلاغة، لعبد الزهراء الخطيب.

24.              معاني الأخبار، للشيخ الصدوق.

25.              المكاسب، للشيخ الانصاري.

26.              المناقب، للخوارزمي.

27.              مناقب الإمام علي (علابن المغازلي.

28.              ميزان الاعتدال، للذهبي.

29.              نهج البلاغة، جمع الرضي.

30.              نور الثقلين (تفسير)، لابن جمعة الحويزي.

31.              وسائل الشيعة، للحر العاملي.

32.              ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة، للمؤلف.

تمت.

 

[1] سورة المائدة الآية 55.

[2] غرر الحكم المطبوع مع الترجمة الفارسية ج1 ص36، ولكن في نهج البلاغة الحكمة رقم 252 وفي غرر الحكم ج2 ص 525، الامانة، والامانات.

[3] دعائم الإسلام ج 2 ص 538.

[4] نهج البلاغة،بشرح عبده،الخطبة رقم 39، وراجع أنساب الأشراف، بتحقيق المحمودي ج2 ص377 و352 وتأريخ اليعقوبي ج2 ص209، والبحار ج75 ص 352 وكنز العمال ج 11 ص309 و286 وج 5 ص 448 ورمز له بـ: ق وهب وعبد الرزاق، وابن جرير، وخشيش في الاستقامة ونقله في مصادر نهج البلاغة ج1 ص 440 عن قوت القلوب ج1 ص 530 وعن غيره.

[5] البحار ج 75 ص 359 عن كنز الفوائد للكراجكى وراجع: دستور معالم الحكم ص 170، وغرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص 437 وج 2 ص 784.

[6] عيون أخبار الرضا ج2 ص 101، وعلل الشرايع ج1ص253 ط سنة 1385، وتفسير نور الثقلين ج 1 ص 412 و413، وراجع المكاسب للشيخ الانصاري ص 153.

[7] سورة الذاريات الآية 56

[8] بل كل مولود،حتى الحيوان.

[9] يفارق واحد، وهو أن الأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) يستقون معارفهم عن طريق الوحي، فيتصلون بالله سبحانه،عن طريق الملك، أما الأئمة فإنما يستقون معارفهم عن طريق الأنبياء (عليهم السلام).

[10] كنوز الحقائق بهامش الجامع الصغير ج 2 ص 83 و82،والجامع الصغير ج2 ص 144.

[11] سورة التوبة الآية 128.

[12] البخوع: بلوغ الجهد، وبخع نفسه: قتلها من وجد أو غيظ (أقرب الموارد ج1ص32).

[13] الكهف الآية 6.

[14] فاطر الآية 8.

[15] راجع على سبيل المثال: سورة النحل 37، وسورة يوسف 103.

[16] تفسير البرهان ج1 ص 369 عن أبن شهر آشوب وعن الفائق للزمخشري، وتفسير الميزان ج4 ص 357 عنه وعن العياشي، والبحار ج16ص95 وج 40 ص 45، ومعاني الاخبار ص52،وعيون أخبار الرضا ج2 ص 85، وعلل الشرايع ص127.

[17] سورة العنكبوت الآية 8.

[18] لسان الميزان ج2 ص 40.

[19] فرائد السمطين ج1 ص 397،ولسان الميزان ج4 ص399، وميزان الاعتدال ج3 ص316،وأمالي الشيخ الطوسي ج2 ص277،ومناقب الإمام علي (عليه السلام) لابن المغازلي ص48،والمناقب للخوارزمي ص 219 و230، وترجمة الإمام علي (عليه السلام) لابن عساكر، بتحقيق المحمودي ج2 ص272 و271، ونقله المحمودي عن غاية المرام ص 544.

[20] راجع على سبيل المثال: تفسير البرهان ج3 ص 244 و245 و294، والبحار ج 75 ص356.

[21] سورة الحجرات الآية 17.

[22] سورة المائدة الآية 55.

[23] سورة الأحزاب الآية 6.

[24] المائدة الآية 55.

[25] قد ذكرنا بعضاً من تلك النصوص في مقالنا: (الحب في التشريع الإسلامي)، في كتابنا (دراسات وبحوث في التأريخ والإسلام)، أول الجزء الثاني، فراجع.

[26] اختيار معرفة الرجال ص 293، وقصار الجمل ج 1ص262 عن مستدرك الوسائل ج2 ص 322.

[27] غرر الحكم ودرر الكلم، المطبوع مع الترجمة الفارسية ج 1ص 83.

[28] ويلاحظ أن العدالة ليست في من أعطى حق الأشراف على شؤون الأسرة وادارتها.

[29] المعيار والموازنة ص 176، وراجع: تحف العقول.

[30] المصدر السابق ج2 ص 873.

[31] تذكرة الخواص ص 120 و121، والبحار ج 77 ص297، ودعائم الإسلام ج2 ص531، ونهج البلاغة بشرح عبده، الخطبة رقم 127 ج2 ص19.

[32] أصول الكافي ج 1ص336 باب ما يجب من حق الإمام على الرعية،وحق الرعية على الإمام.

[33] الكافي ج8 ص464،الوسائل ج11 ص 25 كتاب الجهاد باب 13،والرواية طويلة،وذكر قسماً منها في ج11 ص 38 عن علل الشرايع ص 192.

[34] نهج البلاغة،بشرح عبده، الخطبة رقم 168 ج2 ص104,105.

[35] راجع كتابنا:ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة ص 53وص 54وص71-73 للاطلاع على هذه الأحاديث ومصادرها.

طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 2014/02/06  ||  القرّاء : 10511










البحث في الموقع


  

جديد الموقع



 مسابقه کتابخوانی نبراس‌۱

 لحظات الهجوم الاول على دار الزهراء عليها السلام

 كربلاء فوق الشبهات

ملفات منوعة



 الأربعة الحرم، من هم؟

 هكذا يجادل المبطلون

 ابن عربي سنيّ متعصب.

إحصاءات

  • الأقسام الرئيسية 12

  • الأقسام الفرعية 64

  • عدد المواضيع 696

  • التصفحات 6897114

  • المتواجدون الآن 1

  • التاريخ 29/03/2024 - 10:57





تصميم، برمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net