حديث: من لم يعرف سوء ما أتي إلينا
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
سماحة العلامة السيد جعفر مرتضى العاملي حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال:
(من لم يعرف سوء ما أُوتي إلينا من ظلمنا وذهاب حقنا, وما رٌكبنا به، فهو شريك من أتى إلينا فيما ولينا به).. (عقاب الأعمال : 208 - بحار الأنوار27/55).
فهل ممكن من سماحتكم أن تتفضلوا علينا بتوضيح لهذا الحديث الشريف؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
وبعد..
فقد طلبتم منا توضيحا لحديث: من لم يعرف سوء ما أتي إلينا، من ظُلمنا، وذهاب حقنا، وما رُكٍبْنا به، فهو شريك من أتى إلينا فيما ولينا به..
ونحن نشير في هذا السياق إلى ما يلي:
إن للإنسان حركة في صراط التكامل، ينجزها باختياره، وجدّه، وعمله الدائب. وهو ينطلق في حركته هذه من إيمانه، ويرتكز إلى درجة يقينه.
وهذا الإيمان، وذلك اليقين لهما رافد من المعرفة بأسرار الحياة، ودقائقها، وبملكوت الله سبحانه، وبأسرار الخليقة، والمعرفة أيضاً بصفاته؛ وبأنبيائه، وأوليائه الذين اصطفاهم، وما لهم من مقامات وكرامات، وما نالوه من درجات القرب والرضا.
كما أن معرفة ما عانوه من ظلم واضطهاد عبر التاريخ وصبرهم على الأذى في جنب الله. تزيد في صفاء الروح، ورسوخ الإيمان، ومعرفة النفس الموصلة إلى معرفة الرب، ثم هي تعرفنا بهم، وبأسرارهم، ومراتبهم، وتعرفنا بوليهم، فنواليه، وبعدوهم فنعاديه.
وكما لابد من معرفة الحق وأهله، بهدف اتباع الحق، والاندماج بأهله، والتعاون معهم على البر والتقوى.. كذلك لابد من معرفة الباطل، لأجل التمكن من اجتنابه، والحذر من أهله، والدعاة له، والحريصين عليه.. حتى لا نكون سبباً في قوتهم.. أو حتى لا نفقد القوة من خلال الذوبان فيهم..
وأيضا فإن معرفة ما عاناه أهل البيت من ظلم واضطهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، والوقوف على حقيقة صبرهم، ومداه من أجل الحق والدين، لا شك أنه مفيد جداً بل ضروري لكل مسلم يريد أن يعيش الإسلام بكل آفاقه، ويكون على بصيرة من أمره، ويعيش بعمق معاني التولي لأولياء الله، والبراءة من أعداء الله.
كما أن ذلك يزيد المؤمن معرفة بالزهراء عليها السلام، وبعلي عليه السلام، والأئمة الطاهرين، وما نالهم بسبب جهادهم. ويعرفنا بدرجات صبرهم وتحملهم الأذى في جنب الله، وما نالوه بسبب ذلك وسواه من مقامات علية، وكرامات ومنازل قدسية عند الله، ويعمق إيماننا وارتباطنا بهم عليهم السلام فيدخلون إلى قلوبنا، وتمتزج تلك المعرفة بالروح، وتندمج بالمشاعر والأحاسيس، ليزداد تفاعلنا مع ما يقولون وما يفعلون، فنحب من يحبون، ونبغض من يبغضون، ويؤلمنا ما يؤلمهم، ويفرحنا ما يفرحهم، لنزداد بذلك خلوصاً وطهراً وصفاءً، ومن ثمَ تأتي معرفتنا بحقيقة ظالميهم، والمعتدين عليهم، ومعرفتنا بحجم ما ارتكب في حقهم، ومدى سوء ذلك وقبحه، فيكون لتولينا بهم، وتبرُّئنا من أعدائهم عن معرفة ودراية للواقع الأثر الكبير، والتأثير الظاهر على نفوسنا، وعلى كل وجودنا، ومن ثم على حياتنا كلها.
ولذلك نلاحظ أن أهل البيت عليهم السلام قد اهتموا بإبراز مظلوميتهم، وإيصالها إلينا عبر عدة وسائل، فكانوا يخبرون الناس عما أعده الله من الثواب لمن بكى أو تباكى عليهم، أو قال فيهم بيتاً من الشعر، وكانوا يعطون الجوائز للشعراء حينما يقرأون المراثي فيهم، ويقيمون مجالس العزاء.
بل إن الإمام الباقر عليه السلام يوصي بثمان مئة درهم لنوادب يندبنه في منى في أيام منى مدة عشر سنوات بعد وفاته، والأمثلة على هذه السياسات منهم عليهم السلام كثيرة ومتنوعة..
فلا يكفي مجرد علمنا بما جرى عليهم صلوات الله عليهم، بل لا بد من معرفة سوئه وقبحه وفظاعته.
عصمنا الله من الزلل في القول والعمل، وحشرنا مع أئمتنا مصابيح الهدى، وسفن النجاة، إنه ولي قدير..
جعفر مرتضى العاملي