تعليم القرآن قبل خلق الإنسان؟ لماذا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال :قال تعالى: { الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}([1]).
والسؤال هو: كيف قدم الله تعالى تعليم القرآن على خلق الإنسان.. ألم يكن الأولى تأخيره، باعتبار أنه لا يمكن أن يعلمه القرآن قبل أن يخلقه..
الجواب :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.. وبعد..
أولاً: ليس في قوله: {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} أن تعليم القرآن كان للإنسان، فإنه لم يقل: علم الإنسان القرآن.. بل جاءت القضية لمجرد الإشارة إلى أن تعليم القرآن قد صدر من الله تعالى.. وهذا أمر هام جداً. وليس بصدد تحديد المتلقي والمتعلم لهذا القرآن.. فقدم الكلام على هذه النقطة لأنها أعظم من نفس خلق الإنسان، لأن الإنسان بدونها سيكون ضرره أعظم من نفعه، فبعد أن تحدث عن أعظم رحمة، بدأ بالحديث عن تاريخ وعن دقائق صنع الخلق، وخصائصه وميزاته مذكراً الإنسان بآلاء الله ونعمه.. فذكر له أن الله قد وضع الميزان، وجعل كل شيء وفق نظام دقيق، وأشار إلى وجود حالة من الشعور لدى الكائنات، فقال: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ..} وأن {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}([2]) أي كل شيء فيه وفق حسابات دقيقة.. وكل ذلك ليبين لنا ضرورة القانون الإلهي وهو القرآن لصيانة كل هذا الوجود البالغ الحساسية والدقة.. فلا يمكن التعامل معه بعشوائية..
ثانياً: بالقرآن يصل الكون وكل ما في الوجود إلى كماله، فالقرآن أعظم رحمة خص الله بها هذا الوجود، وهذا الكون، لأن الكون كون فساد، وفناء، واضمحلال بدون القرآن، وبالقرآن يصل الإنسان وكل شيء إلى الغاية التي رسمت له، ويتصل بالباقي والمطلق، واللامحدود..
فالقرآن هو الذي يصون نواميس الكون والحياة، من أن يتعدى عليها ومن ثم فهو يمكنها من التأثير في إعمار الكون، وإيصاله إلى كماله..
فالقرآن رحمة للكون كله.. لأنه يحميه من عوادي الجهل، والهوى، من طغيان الغرائز، حيث تدمر كل ما فيه من خيرات، وبركات، وتحولها إلى كوارث ونقمات..
ثالثاً: في تفسير القمي: أن قوله تعالى {عَلَّمَ الْقُرْآنَ} يراد به تعليم القرآن للنبي’..
وفي بعض الروايات: أن المراد بالإنسان الذي علمه الله سبحانه وتعالى البيان هو علي بن أبي طالب×.
وعلينا أن لا ننسى أن الله سبحانه قد خلق أشباح وأرواح محمد وعلي وفاطمة، قبل خلق الخلق، فربما يكون الله تعالى قد علم النبي ’ في تلك العوالم السابقة.
وذلك يؤكد استحقاقه ’ واستحقاق أهل بيته المعصومين تلك المنازل الإلهية، والمقامات الربانية التي كانت له ’ في ذلك العالم، حتى كان الأنبياء يتوسلون به ’ وبهم ^ إلى الله سبحانه، ويستجيب الله تعالى لهم، ويكشف بهم الهموم والكربات. وينالون المقامات والبركات..
والحمد لله رب العالمين.
جعفر مرتضى الحسيني العاملي