لماذا يتحدث القرآن عن الأشخاص؟!
يسم الله الرحمن الرحيم
السؤال :لماذا يتحدث القرآن عن الأشخاص كأبي لهب وفرعون، وعن الأمكنة، كالكعبة ومكة.. وعن الحروب والغزوات كبدر وحنين.. ألم يكن الأنسب أن يعطي القرآن قواعد عامة وكلية.. من دون أن يربطها بالجزئيات ويقيدها ويحدّ من شموليتها، واختزالها في الواقع العيني الخارجي؟!..
الجواب :
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين..
وبعد..
فإن الربط بالواقع العيني الخارجي له قيمته ومزاياه..
فإن تقريب الفكرة إلى درجة التجسيد، وجعلها في متناول وسائل الإدراك الحسي يعطيها المزيد من التجذر في عمق الوجدان الإنساني، ويزيدها صلابة وقوة وتماسكاً، يحفظها ويصونها من أن تتهاوى أمام العوادي التي تهدد بتلاشيها، وإزالتها، أو على الأقل بإسقاطها، أو بإبعادها عن دائرة التأثير في الواقع والممارسة، والموقف..
ولأجل ذلك نجد: أن ثمة اهتماماً قرآنياً بتجسيد الحقائق والمعاني في رموز حية وواقعية، يراها الإنسان ويحس بتجليات تلك المعاني فيها. فيقدم للإنسان فرعون على أنه المثل الحي للاستعلاء، والجبارية والعدوانية.. ويقدم له إبليس ليكون التجسيد للعداوة الماكرة، التي لا تدع وسيلة إلا اتبعتها، ولا فرصة إلا انتهزتها، للإيقاع بالإنسان، وهدم سعادته والعبث براحته وبمستقبله،
والخلاصة: أنه يقدم له المعاني والقضايا التي تعنيه، بعد أن يترجمها إلى حركات ومواقف وآثار ونتائج، كما هو الحال في قصة يوسف، أو مريم، أو زوجات رسول الله ’، أو امرأة العزيز، وما إلى ذلك. وتكون هذه الترجمة، أبعد أثراً في تكوين القناعات الحية والفاعلة لدى هذا الإنسان..
ومن جهة أخرى، فإن الإيمان الحقيقي والعميق بالغيب ليس أمراً سهلاً.. وذلك لأن الإيمان ليس مجرد قناعة فكرية، تكون هي التعبير عن استئسار العقل واستسلامه أمام معادلات تنتهي إليه وتعتمد عليه، حين لا يجد مخرجاً، ولا يهتدي إلى سبيل للتغلب عليها، أو لتجاوزها..
بل الإيمان، حالة ضميرية ووجدانية، ينال الإنسان معها الشعور بالطمأنينة والأمن والسكينة القلبية، قال: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[1]و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا}([2]).
وهذا الأمر يصبح بالغ الصعوبة إذا كانت القضية مرتبطة بالغيب. حيث إن علاقة الإنسان بالمحسوس، وانشداده إليه، وسكونه معه وبه.. يضعف ارتباطه بالغيب مهما كان قوياً.. ولا سيما مع طول الزمن، وممارسة الإنسان حياته المادية الدنيوية، واستجابته لغرائزه ولحاجات الجسد بصورة عامة..
فمست الحاجة إلى تجسيد هذا الغيب في أمور عينية وحسية، تكون هي السلك ـ إن صح التعبير ـ الذي يصل الإنسان بذلك الغيب، وينقله من عالم المحسوسات إلى عالم الإحساس بالوجدان، وبالفطرة.. فكانت هناك كعبة، وحجر أسود، ومقدسات، وشخصيات مباركة وكان.. وكان.. وذلك لتكون وسائل إثارة من جهة، ووسائل حفظ للغيب ومستودع له، يرجع إليه الإنسان كلما مست الحاجة لذلك من جهة أخرى..
وحسبنا ما ذكرناه، فإن للكلام في هذا الأمر مجالاً آخر.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..
جعفر مرتضى الحسيني العاملي